صفتان نادرتان، لو وجدتهما، فهرول إليهما، ولا تتنازل عن واحدة، فبهما تنجو مصر، وتنجو أنت مع مصر، التجرد والإنصاف، وكلما قابلنى أحد يسألنى لمن صوتك، ولا يكاد يصدقنى غير الأصدقاء المقربين، حينما أؤكد أنى لم أحدد أحدًا أنتخبه، ولكنى بالطبع خلعت الفريق الطيار الذى أراه امتدادًا لمبارك، ولكنى أعالج نفسى، وأخضعها لبرنامج علاج منذ عشرات السنين، ويبدو أنه مستمر حتى آخر نفس فى هذه الحياة الدنيا. والتجرد الذى لا نجاة إلا به، هو أن تضع جانبًا كل خلافاتك الشخصية والنفسية، وضيقك من تصرفات بعض منتسبى التيارات، أو مناصرى أحد المرشحين، وأن تفكر فى مصر، حتى لو لم يكن لك فى حال نجاح هذا المرشح أو ذاك منصب ولا جاه. بل لو كنت غاضبًا من تصريحات أو تصرفات بعض مَن يتصدرون المشهد الانتخابى، فابتعد خطوات عن غضبك، وانس نفسك، وقل: هى مصر أموت لتحيا، وأرضى بالإهمال، من أجل ألا يعانى من الإهمال أولادى أو أحفادى. أقابل كلمات بعض كبار مناصرى أحد المرشحين، فأجدها نوعًا من الردح والبذاءة، التى ما إن تندلق من الفم حتى تلوث لحية صاحبها، وأكاد أجزم أن بعض هؤلاء هم المقصودون بقول النبى، صلى الله عليه وسلم، "يلبسون للناس مسوح الضأن من اللين" وأن هؤلاء أشد بغيًا وضلالاً من رهبان بنى إسرائيل، الذين اختصروا البركة كلها، فيمن يصفق لهم، ومن يضغط زر الإعجاب على صفحتهم بالفيس بوك، ويضيق صدرى بما يقولون، فأحاول أن أتجرد، لعل الله يفسح صدرى الضيق، وأعود لنفسى هامسًا: "ياواد خليها عليك فهؤلاء أكياس جهل وفراشات شهرة". مرشح آخر لو قابلته لقلت له: كل يوم تتلون /غير هذا بك أحسن. فهو عند السلفيين سلفى، ولدى المتصوفة مريد، وعلى اليسار يتطرف أكثر من اليسار، ثم يشادد فى اللد مع أصدقاء عمره، ويقول أشياءً غير مفهومة ولا معقولة، لكنى أخشى- لو لم أناصره - أن أفتت الأصوات، وأن أمنح الفرصة لمن لا يستحق، وأهمس فى أذنى متجردًا: لعل الرجل يلعب سياسة ويريد أن يحصد الأصوات من أجل مشروع عظيم، فلا تتسرع فى النقم عليه. وأحيانا أفكر هل نراهن حينما ندفع بالسلطة كلها فى حجر فصيل محترم واحد، لو- لا قدر الله - فشل بسبب الظروف والضغوط، فسوف يحاسب على كل شىء، ويدفع فاتورة الفشل منفردًا، ثم يعود الناس يكفرون بمصداقيته، وهل مصر تستأهل فى تلك المرحلة، شخصًا ثعلبًا، قويًا حتى لو لم يكن متدينًا. وأقول: هل من التجرد النظر إلى الأمام، والاعتراف بحقيقة تاريخية، أثبتها ابن خلدون، من أن أهل العلم والأدب هم أبعد الناس عن خبرة السياسة والحكم. الأيام المتبقية، سأبحث فيها عن الكفة الثقيلة فى مواجهة الفريق شفيق، وأيًا كان صاحب الكفة، فسأتجرد وأمنحه صوتى. وأبرأ إلى خالقى. وللإنصاف حديث مكرر آخر. [email protected]