يعد رفض مجلس الدولة لمشروع القانون، الذي أقره البرلمان بشكل مبدئي، سابقة هي الأولى في تاريخ مجلس النواب، إلا أن اشتعال الأزمة بين السلطتين الأيام الماضية جعل قسم الفتوى يرفض التشريع ويعتبره تدخلًا في اختصاصات السلطة القضائية. ووفقاً للسوابق البرلمانية ونصوص اللائحة الداخلية لمجلس النواب، فإنه سيتم إحالة تقرير قسم التشريع للجنة المختصة، الشئون الدستورية والتشريعية للبرلمان، وذلك في أول يوم عمل للبرلمان، ومن ثم يُدرس التقرير بشكل موسع في اللجنة، تمهيداً لإعداد تقرير بشأن موقف اللجنة النهائي منه، على أن يُناقش في جلسة عامة بالبرلمان. وهناك ثلاثة سيناريوهات لما قد توصى به اللجنة التشريعية بالنواب، في تقريرها النهائي حول ملاحظات قسم التشريع، وهى إما أن تتفق مع ما ورد في تقرير قسم التشريع بمجلس الدولة، ما يدفعها إلى إجراء التعديلات اللازمة لإحداث توافق مع ما وُرد في التقرير، أو أنها تختلف مع ما ورد في التقرير، وتتمسك بموقفها وتوضح وجهة نظرها في هذا الشأن، أو أنها توصى بتأجيل نظر المشروع لمزيد من الدراسة. وجاءت أسباب رفض قسم التشريع للتعديلات المقترحة على النحو التالي: فتمثل السبب الأول في عدم عرضه على الجهات والهيئات القضائية لأخذ رأي كل منها فيه، وذلك بالمخالفة لنص المادة 185 من الدستور التي نصت على أن "تقوم كل جهة أو هيئة قضائية على شئونها ويكون لكل منها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين المنظمة لشئونها". وأشار القسم إلى أنه وفقا لما استقرت عليه أحكام المحكمة الدستورية العليا، فإن "أخذ الرأي" يعد من الأوضاع والإجراءات الشكلية التي تمثل إحدى مقومات التشريع التي لا يقوم إلا بها، ولا يكتمل بنيانها أصلاً في غيابها، وبالتالي تفقد بتخلفها وجودها كقاعدة قانونية يتوافر لها صفة الإلزام". وأوضح القسم إلى أنه لا يكتفي في هذا المقام بسابقة أخذ رأي الجهات والهيئات القضائية في مشروع سابق مماثل صيغ لنفس الغرض وإنما بمواد مختلفة، مؤكدًا على أن المشروع الجديد المعروض على القسم تضمن أحكاماً موضوعية جديدة، لم يرد أي منها في المشروع السابق، ومن ثم فهو ليس تعديلاً على مشروع سبق أخذ الرأي بشأنه، وإنما هو مشروع جديد مختلفة تماما عن المشروع السابق، وبالتالي يجب أخذ الرأي بشأنه وإنما كان غير دستوري. فيما تمثل ثاني أسباب رفض القسم للمشروع في مخالفته لمبدأ الفصل بين السلطات المقرر في المادة 5 من الدستور، والتي نصت على أنه من بين مقومات النظام السياسي مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها. وأوضح القسم أن مشروع القانون المقترح من مجلس النواب يجعل من رئيس الجمهورية، وهو رئيس السلطة التنفيذية بموجب المادة 139 من الدستور، سلطة اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، ومن ثم فإنه بذلك يسلط السلطة التنفيذية على السلطة القضائية ويهدر مبدأ الفصل بين السلطات. أما السبب الثالث فتمثل في مخالفة المشروع لمبدأ استقلال السلطة القضائية، حيث أكد قسم التشريع على أنه لما كان ذلك المشروع يعطي لرئيس الجمهورية سلطة اختيار رئيس مجلس القضاء الأعلى وهو رئيس محكمة النقض ورئيس مجلس التأديب الأعلى بموجب قانون السلطة القضائية، ويعطيه سلطة اختيار رئيس مجلس الدولة وهو رئيس المحكمة الإدارية العليا ورئيس مجلس التأديب بموجب قانون مجلس الدولة، وذلك هو عين التدخل في شئون القضاء تدخلاً ينال من استقلاله، حيث لا يكون الاستقلال تاماً إلا بأن يكون اختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية بج السلطة القضائية لا بيد السلطة التنفيذية، ومن ثم يكون المشروع المعروض مشوباً بشبهة عدم الدستورية. أمام السبب الرابع والأخير لرفض القسم للمشروع فتمثل في أنه لا يمثل أنسب البدائل لاختيار رؤساء الجهات والهيئات القضائية، حيث أشار القسم إلى أنه بدلاً من اختيار أحكام المشروع المعروض بما تحتوي عليه من شبهات عم دستورية، كان أمام المشرع استعارة أحكام تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا المنصوص عليها بالدستور، المتمثلة في إسناد سلطة اختيار رئيس المحكمة للجمعية العامة لها من بين نواب رئيس المحكمة وإسناد سلطة إصدار القرار لرئيس الجمهورية. وتابع القسم: "كما كان أمام المشرع الأخذ بمثل ما ورد بشأن تعيين النائب العام من أحكام في الدستور، تلك التي أسند سلطة اختياره إلى مجلس القضاء الأعلى من بين نواب رئيس محكمة النقض أو الرؤساء بمحاكم الاستئناف أو النواب العامين المساعدين، وأسندت سلطة تعيينه لرئيس الجمهورية. وشدد القسم على أن الطريقتين سالفتي البيان لا شك في أنهما يمثلان أفضل البدائل لكونهما منصوصا عليهما في الدستور، وقد تصادف قبولاً من كافة الجهات والهيئات القضائية، ومن ناحية أخرى تحقق الهدف المبتغى من المشروع وفقاً لما ورد بمذكرته الإيضاحية، حيث لن تختار الجهة القضائية لرئاستها من لا يصلح للمنصب سواء لسبب المرض أو لغير ذلك من الأسباب، باعتبار أنها الأعلم بأحوال أعضائها من غيرها. وانتهى القسم إلى أنه لما كان المشروع المعروض لا يمثل أفضل البدائل ولا أنسبها ولا أكفلها لوفاء بالغرض منه، فمن ثم يكون مشوباً بشبهة عدم الدستورية. جدير بالذكر أن مشروع القانون الذي وافق عليه المجلس، تضمن تعديلات مُقترحة بإعطاء رئيس الجمهورية سلطة اختيار رؤساء الهيئات القضائية على أن يتم الاختيار ما بين أقدم 3 نواب بكل هيئة ترشحهم الجمعيات العمومية لتلك الهيئات.