قالت صحيفة الجارديان البريطانية، إن منطق النظام السوري وراء استخدام الأسلحة الكيميائية في خان شيخون بإدلب، كانت بسبب إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مضيفة أن هذه الإدارة أعطت الأسد شيئًا كان يريده منذ فترة. وأوضحت في تقرير لها، أن ما أعطته أمريكا للأسد، هو السياسة الجديدة المعلنة بأن إزالته لم تعد هدفا أمريكيًا. وأضافت أن ذلك جاء على شكل تصريحات رفيعة المستوى من «ريكس تيلرسون»، وزير الخارجية، و«نيكي هالي»، السفير الأمريكي لدى الأممالمتحدة، و«شون سبيسر»، السكرتير الصحفي للبيت الأبيض، مشيرين إلى أن وضع «الأسد» على المدى الطويل سيكون بيد الشعب السوري. وكانت الرسالة سببا للاحتفال في دمشق، خاصة مع تحول اتجاهات المعارضين الإقليميين، بحسب الصحيفة. ومن ناحية أخرى، ما الذي دفع الولاياتالمتحدة لتغيير موقفها من «الأسد» خلال أسبوع واحد بالضبط، تلا إعلان موقفها أن إزالته أو بقاءه ليست من أعمال الولاياتالمتحدة؟ أحد التفسيرات التي قدمها المحللون، مثل «فيصل عيتاني» من المجلس الأطلسي، حول دافع النظام هو أن استخدام الأسلحة الكيميائية في إدلب يأتي تمهيدا لجهود دمشق لاستعادة هذه المقاطعة التي يسيطر عليها الثوار. وتعتبر إدلب، المركز الإقليمي الوحيد الذي يسيطر عليه الثوار، ويعد السيطرة عليها أمرا حيويا في خطة النظام طويلة الأجل للسيطرة على كل أنحاء البلاد. إن استخدام الأسلحة الكيميائية سيزعزع السكان المحليين ويضعف عزم الثوار هناك. وكما أوضح «عيتاني»، فإن استخدام الأسلحة الكيماوية هو في بعض الأحيان ضرورة تكتيكية لجيش النظام السوري. لقد ابتعد النظام عن الهجمات الكيميائية عشرات المرات من قبل، وربما لم يكن يتوقع رد فعل أمريكي. ولكن ماذا لو كانت استجابة الولاياتالمتحدة جزءا من عملية حسابية؟ وأعتقد أن هذا أمر ممكن، استنادا إلى المحادثات السابقة مع أنصار النظام. إذا أكدت دمشق استخدام الغاز السام في إدلب، فمن المرجح أنها تتوقع سيناريوهين: إما أن تستجيب الولاياتالمتحدة بتدابير عقابية أو تقوم بتجاهل هذه الهجمات. يعرف النظام أن عواقب السيناريو الأول، وإن كانت حقيقية، فهي محدودة. ويعترف النظام، ومؤيدوه، وكذلك خصومه، بأن الولاياتالمتحدة ليس لديها مصلحة على الإطلاق في زعزعة استقراره، على الأقل في حين لا تزال تهديدات تنظيم القاعدة والقاعدة موجودة. وخلافا للرواية الشعبية، فإن الداعمين الإقليميين للمعارضة ليس لديهم مصلحة في سقوط النظام بشكل غير نظامي. هنا، ربما، كان التفكير قبل الهجوم: إذا كانت الولاياتالمتحدة ستختار التقاعس، كالمعتاد، فمن الواضح أن النظام سيستفيد من هذا الوضع. وعلى الرغم من تغيير الخطاب في واشنطن قبل أسبوع، إلا أن الوضع في سوريا ما زال سائلا، ويعتقد النظام أن له نفوذ كبير في الوقت الذي تستعد فيه الولاياتالمتحدة للقتال في الرقة. وتصر روسيا على أنها تعارض أي هجوم في الرقة لا يمر عبر دمشقوموسكو. وعلى عكس الهجمات التي قادتها الولاياتالمتحدة ضد تنظيم الدولة، وضع النظام قواته بالقرب من الخطوط الأمامية في الرقة، وكذلك بين الرقة والمناطق التي يسيطر عليها الثوار المدعومون من تركيا في ريف حلب الشرقي. لذلك، في هذا السيناريو، رأى النظام أن الوقت قد حان للعب مع الأميركيين وأن استخدام الأسلحة الكيميائية سيكون أداة للتحدي. توسيع الهوة بين موسكووواشنطن وماذا لو كانت الولاياتالمتحدة سترد، كما فعلت؟ إن مثل هذا السيناريو يخدم بشكل غير مقصود غرضا أساسيا للنظام، وهو يمتد إلى قلب مخاوف محددة من دمشق وطهران. وتنشأ هذه المخاوف من الخطة المعلنة من قبل إدارة «ترامب»، لدق إسفين بين روسياوإيران كوسيلة لردع النفوذ الإيراني في المنطقة. إن تصعيد الولاياتالمتحدة ضد النظام سيوسع المسافة بين موسكووواشنطن. وقال مسؤول سابق في النظام: «لا نستبعد احتمال ان تكون هذه رسالة من النظام إلى روسيا نفسها». وأضاف: «إنهم قلقون من أن السياسة الروسية في سوريا لا تخدم مصالحهم ويريد النظام أن يظهر للروس أنه يمكن أن يفسد الأمر عليهم». إن نهج روسيا في سوريا لا يتوافق مع نهج دمشق وطهران، حتى لو كانوا جميعا يعملون من أجل الهدف نفسه، وهو الحفاظ على النظام. إن سماح موسكو بانتشار بعض القوات المتمردة، العاملة مع تركياوالولاياتالمتحدة يتعارض مع النهج الذي تقوده إيران قبل التدخل الروسي في سبتمبر 2015. وعلى الأقل فإن بعض الدوائر السورية والإيرانية ترى مخاطر كبيرة في التفاهم الأمريكي الروسي في سوريا وإمكانية فرض تسوية عليها في المستقبل. وبدلا من فصل روسيا عن إيران، فإن الرد الأمريكي يقربهما ويزيد المسافة بين روسياوالولاياتالمتحدة. وكانت روسيا قد أعلنت بالفعل أنها علقت اتفاقا مع الولاياتالمتحدة لتجنب وقوع حوادث جوية في سوريا. قد يستغرب البعيدون عن تفكير النظام أن يضع النظام نفسه في خطر، ولكن أولئك الذين يعرفونه من الداخل يفهمون منطقه. ومن المستحيل التحقق مما إذا كان النظام ينظر في مثل هذا السيناريو، ولكن لا ينبغي أن يكون هناك شك في أن دمشق وطهران على وعي بخطة فريق «ترامب». وبصرف النظر عن تفكير النظام، فإن الضربات الصاروخية كان لها حتى الآن هذا الأثر. إن الاختلاف مع روسياقد يصبح أكثر واقعية إذا زادت الولاياتالمتحدة فعلها في سوريا. وبالنسبة لإيران، فإن خطة واشنطن تؤثر عليها في ثلاثة بلدان، في سورياوالعراق واليمن، حيث زادت الولاياتالمتحدة بشكل كبير دعمها لدول الخليج في حملتها ضد الحوثيين المدعومين من إيران. وفي العراقوسوريا،ستكون عملية تراجع هيمنة إيران أكثر عمقا وأطول أمدا. وبعد الضربات الصاروخية يوم الخميس، وضعت الولاياتالمتحدة معيارا جديدا للرد على استخدام الهجمات الكيماوية. ومن المحتمل أن تحتوي روسياوالولاياتالمتحدة تداعيات ذلك وان تكون المشاركة بين البلدين أكثر عمقا، كما حدث بين تركياوروسيا بعد أن اسقطت طائرة روسية فى نوفمبر عام 2015. لن تكون النتيجة استمرارا للديناميات الحالية في سوريا، ولكن بداية لفصل جديد. وسيكون الأمر متروكا لواشنطن وقدرتها على الحفاظ على النفوذ الذي ولدته بعد الضربات الصاروخية في تشكيل النتيجة.