تتنوع دور الرعاية الاجتماعية ما بين مؤسسات للبنين وأخرى للبنات، فتوجد حوالى 24 مؤسسة ودور رعاية اجتماعية على مستوى الجمهورية، منها 18 مؤسسة للبنين و6 مؤسسات للبنات القاصرات، وتعد المؤسسات مكانًا لقضاء العقوبة للأطفال القصر، الذين ارتكبوا جرائم، وأيضًا تعد مكان للأطفال، الذين ليس لهم أسر. قررت "المصريون"، أن تعيش يومًا داخل إحدى المؤسسات وتحديدًا مؤسسة "الفتيات" بالعجوزة ومعرفة حكايتهن، فقد ذهبنا إلى تلك المؤسسة الموجود بداخلها مجموعة من الفتيات القاصرات ورأينا العجب. عندما دخلت إلى المؤسسة سألنى أحد أفراد أمن البوابة أنتى مين؟ قلت له أنا فاعلة خير، وأخفيت هويتى الصحفية حتى أتمكن من الدخول، وطلبت منه أن أقابل المديرة، فسمح لى بالدخول وقام بتوصيلى إلى مكتبها، ولاقيت منها ترحابًا، عندما علمت أننى جئت لكى أتبرع للمؤسسة، ثم طلبت منها أن تسمح لى بزيارة هؤلاء الفتيات لمعرفة احتياجتهن فوافقت على الفور، وطلبت من إحدى عاملات الدار مرافقتى لعدم علمى بطبيعة المكان، وأثناء سيرى لاحظت أن المبنى قديم جدًا من الداخل، يغلب عليه البساطة، حيث كان يخلو من أى وسائل ترفيه، لا يصلح للعيشة الآدمية، ولفت نظرى أيضًا إحدى المشرفات وهى تتعامل مع البنات وتسبهن بأقذع الألفاظ، وتتعامل معهن بمنتهى القسوة، وأثناء سيرى مع العاملة حكت لى عن فتاة معاقة ذهنيًا، لكننى صعقت من هول المفاجأة عندما أخبرتنى أن هذه الفتاة عندما أتت إلى الدار كانت حاملاً، لأنها كانت تعيش فى الشارع فاستغلها أصحاب النفوس الضعيفة وقاموا بالاعتداء عليها، ثم حملت وهى الآن فى الشهر التاسع، وتم تحويلها لدار رعاية الفتيات فى منطقة عين شمس، وبالطبع بعد الولادة سيذهب الطفل إلى ملجأ، لأنه غير معلوم أباه، وتواصل العاملة كلامها: "الأغرب من كده أن البنت لا تشعر بالكارثة التى تعيشها". وأثناء سيرى فى المؤسسة وجدت الكثير من الفتيات، إحداهن تجلس على كرسى خشبى وتنظر إلى الأرض شاردة الذهن والحزن والكسرة، تبدو على ملامح وجهها وكأنها تقول يا ليتنى كنت بنت مثل كل البنات ولم أكن جئت إلى هذا المكان، ذهبت إليها وجلست معها وسألتها ما اسمك؟ فأجابت: "آية مصطفى، 15 سنة، إيه حكايتك؟ فقالت: والدتى توفيت وأنا عمرى سنتين وتزوج والدى من امرأة أخرى وأنجب منها عشرة أبناء، وكلنا كنا بنعيش فى حجرة واحدة، أما والدى فكان بيجبرنى أنا وأخواتى إننا نشتغل معاه فى التسول، لكن الشرطة قبضت عليا وجابونى هنا، لكنى غير سعيدة.. وكنت أتمنى أن أكون بنت طبيعية زى كل البنات، أعيش مع أبويا وأمى وتكون لى حجرة لوحدى وأدخل المدرسة وأتعلم، لكن يا خسارة ما ليش نصيب". وسألتها عن المسئولون فى المؤسسة مش بيعلموكم؟ أجابت: "مفيش تعليم هنا وكمان بيعاملونا معاملة قاسية جدًا، أسوأ معاملة.. الشارع أرحم من كده.. إحنا محرومين من كل حاجة من التعليم والفسح، ولما يحبوا يعاقبونا بيضربونا بالكرابيج والعصى وبأيديهم وبيشتمونا بألفاظ قذرة، ومين اللى بيعذبكم هنا فى الدار؟ المشرفات والأخصائيات الاجتماعية، والأكل كمان وحش أوى مينفعش حتى للحيوانات، ومضطرين نأكله بس علشان الجوع كافر، وكمان بيجبرونا إننا ننضف ونطبخ داخل المؤسسة، وحمل أطفال المشرفات وتحضير الطعام لهم. انتقلت إلى فتاة أخرى تدعى أسماء محمد، 14 سنة، سألتها عن سبب مجيئها لهذا المكان، فقالت: "غصب عنى، أنا قتلت ومش عارفة أنا عملت كده إزاى، قتلت بنت جارتنا كان عندها خمس سنين، كنت عاوزة فلوس علشان كان نفسى أشترى حاجات لنفسى فلقيتها قدامى ولابسة حلق، الشيطان وسوس لى فحاولت أن آخذه منها لكنها صرخت، فخفت أن تقول لأحد، فوضعت إيدى على فمها وفجأة قطعت النفس، لكن والله أنا ماكنش قصدى أقتلها، تركتها وقلبها يعتسر ألمًا وحزنًا على ما فعلت". ذهبت إلى فتاة أخرى تدعى تفاحة ضاحى، لا يتجاوز عمرها 15 عامًا، تظهر على جسدها علامات القوة والنضوج، تحدثت معها ولاحظت أنها تتكلم بدون خجل ولا مبالاة، سألتها إيه اللى جابك هنا؟ فأجابت: "بصراحة أنا كنت عايشة مع أبويا وأمى و 8 أخوات فى حجرة واحدة وما كنتش مستريحة معاهم، وكنت عاوزاهم ينفصلوا عن بعض، لأنهم ما كانوش بيجيبوا لى كل اللى أنا عايزاه، وفى مرة هددتهم إنهم لو ما انفصلوش دلوقتى أنا همشى وأسيب لهم البيت، وفعلاً قام والدى بتطليق والدتى وكان خايف إنى أهرب، انتهزت فرصة نومهم ومشيت اللى فى دماغى وهربت بعد نص الليل، كنت نايمة فى الجنينة أنا وأصحابى، لكن الحكومة ماسابتنيش فى حالى وقبضت عليا، وقالولى أنتى متسولة، وجاءوا بى إلى هنا، والغريب فى أمر هذه الفتاة هو رغبتها الشديدة فى الرجوع إلى الشارع مرة أخرى، وهذا يشير إلى فشل المؤسسة فى تأهيلها". ولفت نظرى وجود فتاتين، وعندما اقتربت منهم عرفت أنهم شقيقتان، وعن سبب دخولهم المؤسسة، أجابت الأخت الكبرى وتدعى هبه يوسف، لا يزيد عمرها عن 17 عامًا، قائلة: "كان والدى هو العائل الوحيد لنا، وكان بيشتغل وبيصرف علينا أنا وأختى ووالدتى، وبعد ما توفى لم تجد والدتى شغل علشان تصرف علينا، فجوزتنى أنا وأختى الصغيرة من رجل واحد معندهوش ضمير، أغرى أمى بالمال، ولما اكتشفوا الأمر قبضوا على والدتى، وهى الآن تقضى عقوبة الحبس فى سجن النساء بالقناطر، وعلشان إحنا مالناش حد جئنا إلى هنا". الغريب فى الأمر، أن بعض الفتيات الموجودات فى تلك المؤسسة، أجمعوا على أن المؤسسة هى مكان للنوم والأكل فقط، ولا يوجد بها تعليم أو ترفيه أو حتى تعليم حرفة تنفعهن ويعملن بها عند خروجهن من المؤسسة، فنجد أن دور المؤسسة، وهو إعادة تأهيل تلك الفتيات، يحتاج هو الآخر إلى إعادة تأهيل.