ليس هذا وقت إعلاء الصوت المفتعل من قبل بعض الأطراف عن "تحفظات" على الاعتصام فى ميدان العباسية، أو فى محيط وزارة الدفاع، وكل من يتحدث لوسائل الإعلام ليرغى ويزبد ويدعى الحكمة هذه الأيام عن هذه "اللكاعة"، فهو متواطئ على الدم الحرام الذى سفكه مجرمون وقتل عشرة من الشباب الأبرياء، وإصابة العشرات بعضهم سيعيش بعاهات مزمنة لأنهم مارسوا حقهم المشروع فى الاحتجاج السلمى، نحن لسنا الآن أمام وجهات نظر سياسية فى تقييم الاعتصام والأفضل ينقل أم يبقى، وإنما نحن أمام التزام أخلاقى وإنسانى ودينى فى مواجهة دم حرام وأنفس محرم إزهاقها، ففريضة الوقت هى إدانة الجريمة والمجرمين وملاحقة مرتكبيها وداعميهم ومحرضيهم، ووقف هذه الاستباحة الإجرامية للشباب المسالم، الذى يمارس حقه فى التظاهر ويجدد شباب الثورة التى حاول الفلول وإعلام الفلول وذيول الفلول فى مؤسسات الدولة تنويمها ثم القفز عليها والتلاعب بمصير أحزابها وقواها السياسية، وكاتب هذه السطور كان له رأيه الواضح المخالف للاعتصام فى محيط وزارة الدفاع ودعوت الشباب للعودة إلى ميدان التحرير، ولكن تلك أصبحت قصة قديمة ولا يمكن أخلاقيًا أن أطلب من الشباب أن يتركوا الاعتصام تحت إذلال القتل والتنكيل والتشهير والبلطجة والترهيب والابتزاز، نحن الآن أمام جريمة ارتكبت فى حق الوطن والناس والثورة، ولا يمكن أن نحول القضية إلى "خطأ" سياسى، ولو كل حزب أو قوة أو تيار اجتهد سياسيا فأخطأ فتكون النتيجة أن يتم ذبح شبابه واستباحة دماء أنصاره فقل على الثورة السلام، وسوف يذبحون المزيد من الشباب والنشطاء كل أسبوع، وسنكون بذلك قد مهدنا البلاد لعودة الديكتاتورية والقمع المقنن من جديد وسيادة دولة البلطجية، التى دشنها مبارك ونظامه، ولو أنه مع كل مذبحة مثل تلك يتوقف "فلاسفة الغبرة" ليحللوا الخطأ السياسى للحزب الفلانى، فإنهم يكونون بذلك شركاء فى القتل والتستر على القتلة، ومع الأسف وقع فى تلك الشراكة الشريرة بعض الأصوات المنتسبة إلى أحزاب ومنظمات سياسية. لجوء قطاع من الشباب إلى الاعتصام فى العباسية وفى محيط وزارة الدفاع هو تراكم سلسلة من إخفاقات المجلس العسكرى، ومن الإحساس بالإحباط من سلوكيات وأحداث ومواقف وقرارات أعطت الانطباع بأننا أمام تلاعب بالأحزاب وبالبرلمان وبالثورة، ووضحت بصمات نظام مبارك فى بعض الممارسات الرسمية والإعلامية بصورة واضحة، مما أعطى إحساسًا بأن نظام مبارك ما زال مستمرًا فى الحكم، والذين يحاولون تحميل حازم أبو إسماعيل مسؤولية الاعتصام هناك عليهم أن يتذكروا أن هذه هى المحاولة السابعة أو العاشرة لشباب الثورة من أجل الذهاب إلى هناك والاعتصام هناك، ولم يكن وقتها أبو إسماعيل ولا أولاده، وصحيح أن الاعتصام الأخير بدأه أنصار المرشح الرئاسى، ولكنه تحول إلى نقطة اجتماع لاحتجاج شباب الثورة على خلفية مطالب وطنية شاملة تجاوزت كثيرًا قضية أبو إسماعيل. بقيت كلمة، فقد انتشرت صور وهتافات للدكتور محمد الظواهرى وهو يتضامن مع المعتصمين فى العباسية، وهذا يشكر له بدون شك، وروح طيبة من أى مواطن مصرى، ولكن ليس من حق الظواهرى أن يهتف هنا باسم الشيخ أسامة، أو يحاول استحضار إشارات وأدبيات تنظيمات أجنبية لإقحامها على الثورة المصرية السلمية، فمصر الثورة تجاوزت هذه الروح وتلك الأفكار بغير رجعة، وعلى الظواهرى أن يتذكر أن مصر تحررت بإرادة شعبها وثورته السلمية، وليس بجهود الشيخ أسامة، بل إن الظواهرى نفسه حررته ثورة الشعب المصرى السلمية وأعتقت رقبته ولم يحرره الشيخ أسامة، فإذا كان مشغولا بالشيخ أسامة ومشروعه فعليه أن يغادر إلى هناك، حيث كان يناضل الشيخ أسامة، ويترك مصر وشعبها وثورتها لأبنائها وجهادهم السلمى، لأن ما يفعله هو أعظم خدمة يقدمها لفلول نظام مبارك وللمجلس العسكرى نفسه، إن كان يظن أنه يحسن صنعًا. [email protected]