تحدثنا في المقالتين السابقتين تحت العنوان عن المؤتمر الذي عُقد في العاصمة الأمريكيةواشنطن في الفترة من 16 إلى 18 نوفمبر 2005 ، ونظمته بعض منظمات المهجر ، وذكرنا فيه الخلفيات الطائفية لهذه المنظمات وما تنشره من آراء ومقالات تحريضية ومستفزة بشكل لم يسبق له مثيل ولعلي أعود مرة أخري إلى لماذا هذا التطور في التصعيد الآن ودوافعه الحقيقية ، وانتهيت في المقال الماضي بوعد الحديث عن قضية " الكوته " التي يطالب به قادة هذه المنظمات وآخرين غيرهم الآن بالنسبة لتمثيل المسيحيين المصرين في المجالس المنتخبة والمواقع التنفيذية ، كما هو معروف " الكوته " معناها عمل " حصة " من المقاعد بنسبة معينة لطائفة معينة في الأماكن المنتخبة فيجب أن ينتخب عددا من المقاعد وفق هذه الكوته كحد أدنى ، وهذه القضية طُرحت في أول ما طُرحت في أوائل القرن الماضي ( القرن العشرين ) ورفض المصريون جميعا الفكرة المسيحيون قبل المسلمين ، لأنها فكرة تميزية تُخل بفكرة المواطنة الكاملة ، التي تفتح الباب لأي مصري مسيحي أو مسلم للوصول إلى موقع بغير حد وبغير نسبة ، وطوال هذه الفترة أي منذ دستور سنة 1923 الذي رفض المصريون كلهم كما قلت ( مسيحيون ومسلمون ) وضع نسبة من المقاعد البرلمانية للمسيحيين الأقباط ( لا حظ أني لا استخدم تعبير أقباط فقط للتعبير عن المسيحيين المصرين لأن كلمة قبط تعني مصر في اللغة القديمة وبما أن كل المصرين مسلمين ومسيحيين من أصل قبطي ( أي مصري ) وتحول أغلبيتهم مع الزمن بعد دخول الإسلام إلى مسلمين فكل المصرين بهذا المعنى أقباط فمنهم الأقباط المسلمين والأقباط المسيحيين ) ، أقول طوال هذه الفترة منذ عام 1923 حتى 1952 أي ما يعرف بالفترة اللبرالية كانت نسبة وجود إخواننا الأقباط المسيحيين أكبر من نسبتهم في المجتمع بالمواقع النيابية والسياسية المختلفة وكانت رموزهم الوطنية تنجح بأغلبية كاسحة في مناطقهم التي يقطنها أغلبية مسلمة تختارهم وفق معيار الكفاءة والأهلية السياسية وليس الدين ، ولكن مع تحول النظام السياسي المصري من اللبرالية الناقصة التي كانت قبل عام 1952 إلى نظم استبدادية تضيق على حريات المصرين جميعا ، تغيرت هذه الأوضاع وقلت نسبة وجود الأقباط المسيحيين في الأماكن العامة وخاصة المنتخبة كما غابت في معظم الأحيان التمثيل الصحيح لكل مكونات المجتمع ، وبالتالي حينما تنبهت كل القوى السياسية والفكرية والثقافية لخطورة هذه الأوضاع بدأت جهود كبيرة للسعي للتغيير الديمقراطي لتمثيل المصريين جميعا تمثيلا صحيحا ، وحينما كانت تطل المشاكل الطائفية طوال الثلاثين عاما الماضية كان مدخل كل العقلاء من رموز هذا الوطن أن مناقشة هذه المشاكل لابد أن يكون من خلال أرضية وطنية وليست طائفية ، أي أن المطالب يجب أن تكون مطالب وطنية بالتعبير الديمقراطي والمساواة بين جميع المصرين على أساس المواطنة وتطبيق القانون على الجميع وليس المطالبة بحل مشكلة جزء من الشعب المصري هم أهلنا الأقباط المسيحيين ولكن المطالبة بحل مشاكل كل الشعب المصري ، فإذا علا صوت يطالب بحرية بناء الكنائس رد الوطنيون جميعا بأن يجب أن تطالب بحرية بناء دور العبادة جميعا وخاصة أن في الفترة الأخيرة وُضعت قيود على بناء المساجد أيضا تقترب من القيود التي وُضعت على بناء الكنائس وإن كان القيود المفروضة على ترميم الكنائس ليست موجودة فيما يخص المساجد ، لكن الأفضل هو المدخل الوطني لحل هذه المشكلة كما ذكرت . وإذا ذ ُكر كمدخل طائفي عدم تمثيل الأقباط المسيحيين بعدد مناسب في الانتخابات البرلمانية وغيرها رد الوطنيون بأن المدخل الديمقراطي بمعنى حرية تكوين الأحزاب وحرية الانتخابات ... الخ ستؤدي حتما إلي تمثيل صحيح لكل مكونات المجتمع المصري بما فيهم إخواننا الأقباط المسيحيين ، ولأن فكرة النسبة المئوية أو " الكوته " لها أبعاد كثيرة وليست في صالح أحد وخصوصا إخواننا المسيحيين فسنعود إليها مرة أخرى بإذن الله