عَرَّفت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح نفسها بأنها:( هيئة علمية إسلامية وسطية مستقلة، تتكون من مجموعة من العلماء والحكماء والخبراء، جاء ميلادها في ظروف بالغة الدقة والأهمية؛ حيث تمر أرض مصر بتحولات كبرى تستوجب أن يكون للعلماء والحكماء فيها مشاركة فعّالة، وتوجيه مؤثر، وريادة حقيقية) ، ولا شك عندى فى ذلك فهى تضم مجموعة من العلماء العاملين الذين يجمعون بين فقه الشرع وفقه الواقع، وما أحوجنا الى مثل هذه النوعية من العلماء الذين عناهم الشاعر بقوله: (وقد كانوا إذا عدوا قليلا ....... فقد صاروا أقل من القليل )، فالتطور السريع الذى نشهده يحتاج إلى أن نواكبه برؤى وآرآء وأفكار تجمع بين التأصيل والتحديث ، وقد اختارت الهيئة الدكتور محمد مرسى مرشحها للرئاسة، ومن الأدب الجمّ لأعضاء الهيئة اعترافهم بأنَّ هذا الاختيار والترشيح اجتهاد قد تقابله اجتهادات أخرى هي موضع التقدير والاحترام.ولي على هذا الإنختيار ملاحظات منها: اولا :- أنَّ توظيف الدين فى السياسة أمر حساس يجب أن يتم بوعى وإدراك خاصة مع وجود هاجس المؤامرة المزمن ، فإذا كان هذا الرأى صدر عن دراسة متأنية ومناقشات لجميع أبعاده فأين تلك الدراسة أو ملخصها وما هى الأطراف التى ناقشت الدراسة, وكان فى وسع أعضاء الهيئة الموقرين أن يزيحوا عن أنفسهم عبأ تحديد شخص بعينه، وأن يبينوا للناس الأسس الصحيحة التى يختارون عليها رئيس الجمهورية، لا أن يختاروا هم لغيرهم، فالشعب الذى قام بالثورة ليس بحاجة الى وصاية ولا إملاء من أى شخص كأنا من كان، و خياراته وارادته لن تكون بعيدة عن هويته وانتمائه، ولا يقال أنَّ اختيارهم هذا مسالة فردية فما يلبس الفردى أن يتحول الى جماعى . ثانيا: اذا كنا نشجع الاجتهاد الجماعى خاصة فى النوازل والمستجدات لما له من دور فى ضبط الأمور وسد الباب أمام الأدعياء ، كما أنَّ رأى الجماعة أقرب الى الصواب من رأى الفرد ، فهل يقال في هذه الفتوى أنها فتوى جماعية ؟ من وجهة نظرى: لا ، لأنها تضم أصحاب توجه واحد وطريقة تفكير واحدة حتى وإن كانت بينهم مسافات لكنها ضيقة وغير كافية، مما يقلل من فرصة تقليب الأمور على جميع وجوهها حتى يحس المجتهدون أنه لامزيد كما قال الفقهاء، كما أنَّ هذا الاجتهاد افتقد شرطا اساسيا من شروط الاجتهاد الجماعى وهو استشارة أهل الاختصاص فى المسألة محل البحث، وهم المتخصصون فى شؤؤن الواقع السياسى والاجتماعى المعاصر وعلوم دراسات المستقبل واستشرافه، وبما أنَّ أهل الاختصاص هم أقدر الناس على تمحيص الخلاف والترجيح فيه، وان اخطأوا من غير قصد فإنَّ خطأهم يكون على حافة الصواب أو متصلا به, وبالتالى ففي إهمال كلامهم مجافاة عن الحقيقة التي ينبغي أن يعلمها الناس، كما أنه دعوة صريحة لفتح باب الاجتهاد أمام كل من هب ودب دون مراعاة لشروط لاجتهاد التي سطرها علماء الملة على مر العصور ومنهم علماء الهيئة الموقرون ثالثا : عدم صحة نظرية الرجل الفذ، فنحن لسنا بحاجة الى رئيس يشفى صدور قوم مؤمنين ،بينما يحرك بالغل صدور أقوام كانوا فى يوم من الأيام ملء السمع والبصر ، وآخرين دغدغت الألة الاعلامية مشاعرهم صباح مساء سبا وشتما فى فصائل العمل الاسلامى تتهمهم بأنهم طلاب سلطة ياكلون الدنيا بالدين، وقد جاء الوقت الذى صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه، و الذين يظنون أنّ وجود رئيس فذ عبقرى له فى عمر بن الخطاب أو صلاح الدين شبه ونصيب هو البلسم الشافى والعلاج الناجع لعلل المصريين وأوجاعهم هم واهمون، فأحوال الرعية والتركة الثقيلة تحتاج الى العصبة أولي القوة حتى يزحزحوا سفينة المجتمع من وحل استقرت عليه عقودا طويلة ، ورقص على ظهرها مبارك وحاشيته حتى عَمَّ الظلم و الظلام، نحن بحاجة الى رئيس لا يتربص به الناس ريب المنون ، يخبىء له الصالحون دعوتهم بالتوفيق والسداد فى جوف الليل ، ويجتمع معه الصغير والكبير خلف عربة المجتمع يدفعونها الى الأمام ،يظن فى نفسه أنه موظف أكره على وظيفته ، وليس له من ولاية المتغلب شَبَه ولا شُبهة رابعا : مسايرة للضرورة ومن باب التساهل المطلوب تجاه أمر حساس ، لا أرى صحة اختيار مرشح الاخوان، وتفصيل ذلك أن البناء الحضارى الشامل الذى نتطلع اليه بحاجة الى جهد كل مواطن مهما كان شأنه، فالنهضة مسؤلية اجتماعية وليست مخططات على ورق ، فليس صوابا تحزيب مشروع النهضة من الآن بإسم فصيل بعينه، فليس هذا من صالح المجتمع ولا من صالح ذلك الفصيل، كما أن المبالغة فى الشىء مكمن مقتله، ولا يخفى مافى أمر المرشح وجماعته من مبالغه، ولا يخفى أنّ عظمة أية جماعة أو فصيل تتجلى فى انفتاحها على الآخرين و استعدادها للتفهم والمناقشة والتنازل عن بعض آرائها و قدرتها على التضحية ببعض مصالحها- إن كان لها مصالح -من أجل المصلحة العامة، وإلا فإن تصدع البنيان الاجتماعى والسياسى موصول بالتصلب فى الأفكار والمفاهيم. نسأل الله ان يلهمنا رشنا وأن يقينا شر أنفسنا احمد عبد المجيد مكى – باحث فى مقاصد الشريعة الاسلامية [email protected]