الخريطة النهائية للمرشحين للرئاسة تستدعى التوقف والتأمل ، وتستوجب التحليل والقراءة المتأنية. من المفترض أن تكون قائمة المرشحين معبرة بشكل أو باخر عن المكونات الرئيسية لمجتمع الناخبين ، بحيث يكون لكل فصيل أو مجموعات متشابهه فى الأفكار والتوجهات ممثلاً عنها ترتضيه ليكون قائدا للجميع ، فينافس الأخير على المنصب وعندما يوفق فى الوصول لهدفه يبدأ فى إثبات أن منهجه هو الأفضل ، وأن مرجعيته هى الأصلح ، وأن الخلفية الثقافية والفكرية التى جاء بدعم منها قادرة على تحقيق طموحات وامال الجماهير. الحالة التى نحن بصددها مختلفة بعض الشئ ، القوى الإسلامية تطرح أكثر من مرشح ، القوى اليسارية كذلك ، حتى النظام القديم ما زال يعتقد أن بإمكانه إقناع المصريين بأن مستقبلهم سيكون أفضل مع مرشحهم ، ويدفع من أجل ذلك بأكثر من مرشح. المثير أن القوى الليبرالية برغم ما تدعيه من قوة وحضور وبرامج فشلت فى أن تقدم مرشحا واحداً للسباق الرئاسى ، لا أظن أن هذا يمكن أن يعد من باب الزهد فى المنصب ، لا أعتقد أيضاً أن الليبراليين كفروا بالديموقراطية أو اكتشفوا مؤخراً طريقاً جديدة للوصول للسلطة بغير الانتخابات. قبل الكلام عن أسباب ذلك أود أن أسجل هنا ملاحظتين: الأولى: أن كثيرا من الليبراليين لما لم يجدوا لهم مرشحاً لجأوا إلى تأييد الدكتور عبدالمنعم أبو الفتوح الذى هو فى الأصل مرشح إسلامى ، ومع ذلك لم يجدوا حرجاً فى الإشادة به بل والتعصب له بالرغم من أنه يحمل القيم الإسلامية والفكر الإسلامى. تفسير هذا أن المبادئ الأساسية لليبرالية هى فى الأصل مبادئ إسلامية مستقرة ، فالديموقراطية وحقوق الإنسان وحرية الإعتقاد والإبداع نادى بها الإسلام قبل قرون من ظهور مصطلح الليبرالية أصلاً ، ولما ظهرت حركات الإسلام السياسىي استوعبت هذه المبادئ واعتمدتها بجانب المبادئ الإسلامية الأخرى التى يتميز بها المنهج الإسلامى، وبذلك صارت الفكرة الإسلامية الشاملة متفوقة على الليبرالية بسبب امتلاكها لمنظومة أخرى من القيم الروحية والأخلاقية لا تدعو إليها الليبرالية، وجاذبة لأبناء التيار الليبرالى الذين اكتشفوا أن الإسلام يحقق الليبرالية وزيادة ، الحقيقة أن الإسلام السياسى يتمتع بهذه الخاصية ولكن الدكتور أبو الفتوح نجح فى إبراز الأفكار الليبرالية عنده كإسلامى حتى يحصل على دعم الليبراليين ويحصد أصواتهم. الملاحظة الثانية: أن بقايا الليبراليين الذين لم يقتنعوا بالوجه الليبرالى من الإسلام يمموا وجوههم شطر بقايا النظام القديم ، حزب الوفد الذى هو أعرق الأحزاب الليبرالية المصرية قام بدعم عمرو موسى رئيساً ، وبدأ يحاول إثبات أن موسى هو أصلاً وفدى وليس الوفد هو الذى يرتمى فى أحضان النظام القديم بما يمثله من ديكتاتورية وتخلف. أعترف بأن هذا الموقف من الحزب ملتبس على وأعتقد أنه كذلك أيضا بالنسبة للكثيرين ، ولكن تتبع دقيق لسلوك الحزب الوطنى المنحل مع الأحزاب التقليدية ومن ضمنها الليبرالية يجد أن النظام البائد استئنسها ودللها ، وأوحى إليها أنه هو أيضاً – أى النظام القديم – ليبرالى وأنه يسعى إلى الحرية والديموقراطية ويتوجب على كل الأحزاب أن تساعده لانجاز الهدف النبيل ، وبذلك أوجد على رؤوس هذه الأحزاب شخصيات تدين بالولاء له ولمنظومته المتعفنة. قيادات الأحزاب بدورهم استمرؤا اللعبة وصاروا بمرور الوقت جزءاً من النظام ، الان هم يحاولون أن يعيدوا انتاج ذات العلاقة مع ذات النظام ، ولا عزاء للمبادئ والأفكار والأيدلوجيات. المشهد يبدو وكأن التيار الرئيسى لليبرالية انقسم وتشرذم ، ولم يستطع أن يفرض نفسه على الساحة السياسية ، أو يتمايز بفكر وجمهور وأتباع ، وذلك للأسباب التى ذكرتها فى التعليق على الملاحظتين السابقتين، أضف إليها أن قادة الليبرالية وزعمائها فى مصر صار منهجهم هو مخاطبة الشعب من أبراج عالية ، والتنزه عن مخالطة عامة الناس ومعايشة أحوالهم ، والتحدث بمصطلحات أكاديمية لا يفهمها البسطاء ولكنها مادة جيدة للثرثرة على برامج الفضائيات ، هم أيضا كثيرى الشكوى من الواقع دونما تقديم حلول ، دائمى التشكيك فى انجازات الاخرين طالما أنها لم تكن من بنات أفكارهم. أحدهم انسحب فجأة من استحقاقات المرحلة الدقيقة وصار يمارس نضاله اليومى من على الانترنت بالتشكيك فى كل شئ ، وإشاعة روح الإحباط واليأس. المصريون لن يقبلوا بمشروع ضعيف متردد ، ولن يقتنعوا بأنصاف الحلول أو الأفكار الباهتة ، كما أنهم لن يعطوا ثقتهم لمن يتكبر عليهم أو يعاملهم بوصفهم قاصرين. الغلبة فى النهاية ستكون للمشروع التى يتميز بالتحرر من التبعية الغربية ، وينتصر للمرجعية الإسلامية والقيم والأخلاق المصرية ، ويقوم على المفاصلة مع أنظمة الفساد والاستبداد ، ويستمد شرعيته وعافيته من الشعب الذى بات حرا قويا يمضى بإرادته ليغير وجه التاريخ. [email protected]