البعض ممن يظنون أنهم سينصرون د.محمد مرسى، مرشح جماعة الإخوان للرئاسة من خلال القدح فى منافسه د.أبو الفتوح مخطئين؛ فكلا المرشحين فى الحقيقة يخدم الفكرة نفسها والمشروع ذاته، وربما كان أحدهما يخدمها بطريقة أفضل من صاحبه، ومن المشين أن تتحدث بعض كوادر فى جماعة الإخوان، - ولا أعتقد أن قيادة الجماعة ترضى بذلك - عن أن د.أبو الفتوح شخصية تقبل ب"التطبيع" مع "إسرائيل"، أو أن له علاقات مع جهات غربية بغية التقليل من شأنه، بل حرقه وإزاحته من طريق مرشحهم المفضل، ويستندون فى ذلك إلى مقطع صهيونى، يبدو فيه بوضوح القص واللصق، أو بعض الروايات الأخرى المرسلة.. والواقع أن مثل هذا الكلام لا يطال بسهامه المرشح المنافس وحده، إن كان المقطع صحيحاً؛ فلقد كان حينها فى أرفع المناصب فى جماعة الإخوان المسلمين، ولم يخرج منها إلا بعد 4 سنوات من تاريخ المقطع، وبالتالى فكلامه كان معبراً عن الجماعة برمتها، ولا يصح أن نفصل كلاماً لمسئول كبير فى كيان ما عن هذا الكيان حتى لو كان شخصياً، ثم لو افترضنا أن الرجل كان قد أخطأ وحده، وتم لملمة خطئه؛ فماذا نقول إذن عن حديث د.عصام العريان عن إمكانية الاعتراف ب"إسرائيل" بعد الكلام المنسوب ل د.أبو الفتوح بنحو ثلاثة أعوام كاملة! فكلا الطرفين إما مخطئ أو مصيب، ولتاريخ الطرفين ضد الصهيونية، ونضالهما من أجل القضية الفلسطينية؛ فإن الأقرب إلى الظن هو إحسان الظن بالدكتور أبو الفتوح والدكتور عصام العريان، وكلاهما له تاريخ ضد الصهيونية، ولكلامهما إن صح، تأويل وارد فى ظل الأوضاع السائدة حينها والعمل على الانعتاق منها عبر تطمينات كلامية، ولا يصح أبداً أن نتهم قيادياً نذر حياته لما يعتقد أنه صحيح، ومنه دفاعه عن القضية الفلسطينية طوال سنى عمره المديدة والعامرة بمواقفه ومبادراته فى هذا الخصوص، ونختزل كل هذا فى مقطع منقول عن صهاينة، ونستشهد بمنتوجهم الإعلامى البائس.. إننى قد اطلعت فى صحيفة عبرية قبل شهور وإثر إعلان د.أبو الفتوح عن ترشحه، وهى ذاتها تتحدث عن الطريقة "الحقيرة" بحسب تعبيرها هى، والتى جعلت من مراسل "إسرائيلى" يحمل أكثر من جنسية أوروبية يقدم نفسه للقيادى فى الإخوان سابقاً، د.أبو الفتوح على أنه صحفى أوروبى، وهو بالفعل كذلك، ويطلب حديثاً معه بهذه الصفة، ثم يبادر إلى تسليم الشريط إلى قناة عبرية لتضع شعارها عليه.. كما أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح ذاته قد أوضح الطريقة التى نقل هذا الكلام بها من المحطة البريطانية التى أجرت الحديث معه إلى التليفزيون "الإسرائيلى" الذى اشترى البرنامج وبثه على شاشته. وما وصفته الصحافة العبرية بالحقارة لا ينبغى أن ننعته نحن بالجسارة، ومن أقدم على التدليس ابتداءً لا يمكن أن يكون محل ثقة فى النقل عنه ولو كان ذلك عبر مقطع مرئى يمكن التعامل معه بطرق لا تخفى على إعلامى، والحق أننا إذا كنا نتطلع لحكم مصرى قائم على العدل وإعلاء القيم؛ فلن نلتمسه فى بعض الأدوات الميكيافيلية التى أربأ بأن يستخدمها بعض المخلصين لأفكارهم، والنقل عن صهاينة لا يرقى لأن يكون سنداً جيداً متصلاً يا أصحاب الحل الإسلامى. وعليه؛ فإننى أدعو كل من تورط فى هذا التشويه غير البرىء إلى الترفع عنه، والالتزام بالأصول والثوابت المرعية، والتى لا أظن أن مخلصاً يرفضها، وأكرر أننى أحسن الظن بقيادة جماعة الإخوان، وأدرك فى قرارة نفسى، دون دليل يتوفر لدى، أنهم لا يرضون بهذا الهزل ولا خلط الأمور المتعمد؛ فلتكن منافسة شريفة نظيفة تستند إلى نبل الغاية والوسيلة. ولا أشك صدقاً فى أن البعض من متحمسى الجماعة يتصورون أن معركتهم هى مع د.أبو الفتوح وليست مع مرشحى "الفلول"، الذين أخفقت كل مساعى القوى الثورية، الإسلامية والوطنية، عبر البرلمان والميدان فى إزاحتهم عن السباق الانتخابى، وهو ظن خاطئ؛ فأصوات الإخوان لن تضمن لمرشحها الفوز حتى يبرر ذلك إدارة المعركة فى داخلها ظناً بأن المعركة لو حسمت ضد المنافس داخل الجماعة ستحسم خارجها، بل فى مقدار نجاحها فى التسويق لمرشحها شعبياً، وسط الجماهير الهائلة التى لم تجتمع لحد الآن فى أى من مؤتمرات المرشحين.. نعم، صحيح أن مؤتمرات د.محمد مرسى حاشدة، لكنها مع ذلك لا تعبر بالضرورة عن المزاج الشعبى كله، وتلك ملاحظة لابد أن جميع المرشحين من أقصى اليمين إلى اليسار يدركونها، إذ لا تعبر تلك الحشود عن جموع الشعب كله الذى قد لا يجد نفسه معنياً بمؤتمرات، وإنما بورقة انتخابية قد يلقى فى القرى والنجوع من يملى عليه مرشحاً "امتيازياً" يحظى بتأييد السلطات الحاكمة، وقد يجد فى عموم البلاد من يؤيد هذا وذاك وفقاً للحظة الانتخابية، أو إثر سماع برنامج حوارى أو مناظرة أو ما شابه. وفى ظنى، أننا قد لا نشهد ما نتمناه عن انتخابات نزيهة وشفافة، إن أجريت أصلاً، وقد نشهد تغيرات أخيرة دراماتيكية غير محسوبة، وقد ينجم عن تلك العملية المعقدة ذهاب فكرة "المشروع الإسلامى" أصلاً، أو حتى المشروع الإصلاحى أو الثورى، أو ربما نجد أن د.أبو الفتوح هو من قد يعيد الجولة مع مرشح "فلولى"، وحينها ستتبعثر الأوراق، وعندها سيندم من شوهوا مرشحاً ينتمى شئنا أم أبينا إلى الميدان والثورة، ويتوفر على كتلة تصويتية متنوعة قد لا تتوفر لغيره، وقدرة على الوقوف فى وجه التزوير بمظلة متعددة الأطياف السياسية والقوى الثورية بما لا يتاح لغيره؛ فالحكمة واجبة، والتعقل فرض..