إذا كنتَ تتفق على أننا جميعًا مصريون متساوون فى الحقوق والواجبات، وينبغى ألا يوجد خلاف بين اليسارى أو اليمينى حول أولويات المرحلة الحالية من ضرورة توفير التعليم لمجتمعٍ، ثلثه لا يقرأ ولا يكتب، ونصفه لا يخضع لأى رعاية صحية، بمعنى أننا بحاجة لبناء دولة جديدة من الصفر، وإذا كنت تريد إنقاذ الثورة المصرية بعد أن انحرفت عن مسارها، وتحقيق أهداف الثورة من "العيش والحرية والكرامة الإنسانية"، بعيدًا عن الشعارات الجوفاء والأيديولوجيات المصطنعة، وتريد استعادة وَحدة المصريين وتوحيد صفوف القوى الوطنية بعد تشرذمها. إذا كنت مقتنعًا بكل ما سبق فأنت إذَنْ مدعوّ للانضمام إلى حزب "الدستور"، الذى أعلن د.البرادعى أمس الأول عن تأسيسه، والكلمات السابقة كانت فى رسالته للحاضرين، البرادعى هو الغائب الحاضر فى الثورة المصرية؛ فهو الأب الروحى لها دون جدال، حيث أطلق الرَّصاصة القاتلة على رأس النظام مع نزوله فى فبراير 2010. اختفى البرادعى من المشهد السياسى بضعة شهور مضت عقب إعلانه الانسحابَ من سباق الانتخابات الرئاسية لقناعته أن كل ما يجرى من خُطوات فى الفترة الانتقالية لا يصبّ فى صالح البلاد، كما أن المصلحة الحزبية الضيّقة علت على مصلحة مصر، خروج البرادعى أحبط كثيرين؛ لأنه كان يمثل النموذج الثالث الذى تريده مصر الآن، عندما وقعت بين سِندان تيار الإسلام السياسى (بما له وماعليه) وبين مِطرقة المجلس العسكرى (بما له وعليه)، ولا يمكن أن يتولى تيار واحد بناء الدولة المصرية المهترئة مهما علت قدراته، فما بالك إذا كان هذا الفصيل يسعى لبناء الدولة ومؤسَّساتها وفق رؤيته الحزبية الضيقة وعلى مقاسه. البرادعى يمثل تيار الوطنية المصرية الذى يضم القوى الشابة الثورية وأصحاب مبادئ العدل الاجتماعى والليبرالية المصرية المؤمنة بحق المصرى فى أن يعيش حرًّا كريمًا على أرضه، مع احترام الأديان السماوية، واحترام المخالفين لنا فى الرأى وعدم الإقصاء أو التخوين. أعلن البرادعى فى مؤتمر تأسيس الحزب عددًا من القواعد التى ستحكم عمل الحزب، من بينها مثلاً: أن العلم والكفاءة هما أيديولوجية الحزب، وأن الديمقراطية هى المدخل للانطلاق بمصر الى الأمام فى مشروع نهضة كبير، أيضًا يسعى الحزب للانفتاح على كل أطياف المجتمع دون تمييز أو إقصاء، وبجملة حاسمة عن الهُوية الدينية، قال البرادعى: "أنا مسلم أحترم الأقباط، ولا أسمح لأحد أن يزايد علىَّ فى الإسلام"، مطالبًا باحترام حرية العقيدة والخروج من عصر الظلمات إلى النور. يأمل البرادعى أن ينضم لحزب الدستور الجديد ما لا يقل عن 20 مليون مصرى؛ فهو حزب كل المصريين الذى سيحكم مصر بعد أربع سنوات - مثلما قال - وأنه مفتوح لكل الأشخاص الذين استاءوا من طريقة إدارة الفترة الانتقالية، بعد أن تاهت الثورة داخل اتفاقات الغرف المغلقة وحسابات المصالح. اتفقْ أو اختلفْ مع د.البرادعى كيفما تشاء، لكن احفظْ للرجل أنه لم يهادن أو يساوم مرة واحدة على مبدأ أعلن أنه مؤمن به، مقارنة بجميع مَن فى الساحة منذ الثورة حتى الآن، الذين غيَّروا وبدلوا، وتراجعوا واتفقوا، وهادنوا وباعوا واشتروا، تلك هى قيمة البرادعى الحقيقية أنه رجل مبدأ، لكن المشكلة أن السياسة لا مبادئ لها، وشعارها الآن بين محترفى السياسة المصرية: "اللى تغلب به العبْ به". مِصر بحاجة إلى مَن هم فى قامة البرادعى، والمصريون بحاجة إلى حزب "الدستور"، الذى يمثل الطريق الثالث بين طريقين، جرى فرضُهما علينا منذ 1952 وحتى الآن. [email protected]