كنا نتصور أنه بعد قيام ثورة الخامس والعشرين من يناير ستختفى للأبد شعارات وأمثال مصرية قديمة جداً من بينها (باب النجار مخلَّع).. أقول هذا بمناسبة موافقة مجلس الشعب هذا الأسبوع على مشروع قانون بشأن الحد الأقصى للدخول وربطه بالحد الأدنى.. والذى حدد قيمة متوسط الدخل الشهرى لأى مسئول فى الدولة بمن فيهم رئيس الوزراء والوزراء والمحافظون ونوابهم بخمسين ألف جنيه شهرياً.. وألزم القانون الذى أقره المجلس الخاضعين لأحكام هذا القانون برد المبالغ التى تقاضونها بالزيادة عن الحد الأقصى للدخل السنوى المقرر، وكذلك تحديد المدة الزمنية لرد المبالغ غير المستحقة قبل مُضى ثلاثين يوماً من نهاية كل سنة مالية.. وألزم القانون أيضاً جهات العمل التى يعمل بها المسئولون الذين يتقاضون أكثر من (50) ألف جنيه شهرياً برد هذه المبالغ التى تجاوز الدخل السنوى للخزانة العامة خلال ثلاثين يوماً من نهاية كل سنة مالية. وقرر القانون عقوبات مشددة على المسئول أو الجهة التى لا تلتزم بتنفيذ ذلك. ويخطئ من يتصور أن مبلغ الخمسين ألف جنيه شهرياً الذى حدده القانون ينطبق فقط على الراتب الأساسى للموظف أو المسئول لكنه يشمل المرتبات والمكافآت والحوافز والأجور الإضافية وبدلات مقابل حضور الجلسات أو اللجان فى أية جهة حكومية. والسؤال الآن: إذ كان برلمان الثورة قد أقر هذا القانون فهل يطبقه الدكتور سعد الكتاتنى، رئيس مجلس الشعب، والدكتور أحمد فهمى، رئيس مجلس الشورى، على نفسيهما.. وهل يكونان قدوة لغيرهما من كبار المسئولين الحاليين فى الدولة؟ وقد يسأل سائل: ولماذا الحديث عن الكتاتنى وفهمى بالتحديد؟ وللإجابة عن هذا السؤال أقول لأنهما ينتميان لجماعة الإخوان المسلمين التى تصرح قادتها دائماً خاصة بعد الثورة أنها سوف تطبق القوانين وتمنع الاستثناءات وسوف تحافظ على المال العام.. ولأنهما أيضاً أكبر مسئولين فى البرلمان المصرى بغرفتيه الشعب والشورى.. أما السبب الثانى فهو أن كليهما يتقاضى راتباً أساسياً شهرياً يقدر ب (75) ألف جنيه, علاوة على مبلغ أخر يتجاوز ال (100) ألف جنيه كعلاوات وبدلات..إلخ، وهذا الكلام ليس اجتهاداً منى كما يتصور البعض ولكنه حقيقة مؤكدة.. كشفها أيضًا من قبل – وتحديداً فى شهر مارس الماضى - المستشار سامى مهران، الأمين العام لمجلس الشعب، الذى نفى ما نشر حول قيام الكتاتنى وفهمى، بتخفيض راتبيهما من 75 ألف جنيه إلى 30 ألفًا شهريًا. وأشار مهران إلى أن راتب رئيس المجلس يعادل راتب مساعد رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، ومحدد طبقًا للقانون. وفى هذا السياق، أقول إنه إذا كانت قيادات المجلسين تؤيدان مطالب بعض النواب بالكشف عن كل الحقائق والموازنات السرية بما فيها موازنة الجيش والداخلية وغيرها - ولهما الحق فى ذلك فى حدود المصلحة القومية لمصر- فلماذا لا يقوم الكتاتنى وفهمى بتعديل بعض مواد اللائحة الداخلية للمجلسين، والتى تؤكد أن كل مجلس فيهما يتولى حساباته بنفسه وهو فى ذلك غير خاضع لأية رقابة من سلطة أخرى.. فهل هذا يليق ببرلمان الثورة التى تصورنا أنه سوف يصحح أوضاعاً خاطئة واستثناءات مشبوهة لجهات رسمية وشخصيات عامة.. أتصور أن الكتاتنى وفهمى لو فعلا ذلك لاستحقا أن نصفق لهما احتراماً وتقديراً, وإلا سنضطر آسفين لرفع شعار باب البرلمان مخلَّع!!