السؤال الأكثر شيوعاً فى مصر الان هو من ستختار رئيسا لمصر بعد الثورة؟ الأمر محسوم بالنسبة للبعض ولكنه فى غاية التعقيد بالنسبة للكثيرين. الذين ينتمون لجماعات أو تيارات أو أحزاب لديهم مرشح للرئاسة يقفون خلفه ويدعمونه بقوة ، الأمر واضح عندهم وهم ماضون فى دعم مرشحهم أملاَ فى تنصيبه رئيسا فى النهاية. معظم هؤلاء لا يلتفتون كثيراً لتفاصيل البرامج التى يقدمها المرشحون ، فقط هم داعمون للفكرة الأساسية للحزب أو الجماعة ومدفوعون بقوة التيار إلى تبنى قناعة مفادها أن هذا هو الشخص المناسب لتبؤ المنصب ، وأنه لا أحد غيره من – من وجهة نظرهم – يستحق أن يملأ هذا المكان فى هذا التوقيت. الاخرون من عموم الناس الذين ليس لديهم توجه حزبى ولا انتماء أيدولوجى يجدون صعوبة كبيرة فى تقدير الموقف ، وفى تقييم الشخصيات ، ومن ثم فى اختيار الرئيس المناسب. هم معذورون بطبيعة الحال إذ يصعب تصور أن شخصا عاديا بمقدوره أن يدرس البرامج الانتخابية ويقارن بينها ، وأن يحلل شخصيات المرشحين ويفاضل بينهم ، وأن يقف على الوضع السياسىوالاقتصادى للدولة ويحدد الأفضل لها فى المرحلة المقبلة. وبعد هذا كله يكون مطلوبا منه أن يقف خلف الستار وأن يستمع لصوت ضميره فقط ، ثم يخرج وهو يظن أن أحسن صنعاَ بينما الحقيقة أنه ربما يكون قد أخطأ الاختيار بسبب قصوره عن إدراك التفاصيل وعجزه عن الإلمام بتفاصيل المشهد. الذى يجب أن نلفت النظر له هنا أننالا نتحدث عن عشرات أو مئات الأشخاص من هذا النوع بل عن الملايين من المصريين الحائرين بين البرامج والأجندات والأفكار والأشخاص. وهم قوة تصويتية هائلة تؤثرإيجابا بلا شك حال توجيها وتوعيتها ، وتتسبب فى نتائج كارثية حال تخبطها واستنزافها. بعض المرشحين – وخاصة المستقلين – ينزعج من فكرة أن يتعرض هؤلاء للتأثير من جانب القوى والأحزاب الكبرى ، ويؤكدون على أنه يجب أن يخلى بين الأفراد وأنفسهم يختارون دونما توجيه ، وأن يتركوا وضمائرهم دونما توعية أو تذكير. أعتقد أن هذا مسلك خاطئ ، وأن الأولى بالفرد العادى عندما يرغب فى الإقدام على أمر مصيرى كهذا أن يستمع للأصوات العاقلة من التيارات الرئيسية ، وأن يتبع طريقاً من طرائق الأحزاب المشهود لها بالوطنية ، وأن يستند إلى رأى من يثق فى علمه ودرايته وإخلاصه ، وأن لا يخجل من ذلك فليس فى هذا انتقاص من قدره بأى حال ، ولا طعنا فى قدرته العقلية أو كفاءته وأهليته ، وإنما هى المسئولية الكبرى التى يجب أن يستشار فيها أهل الرأى ، والأمانة التى يجب أن تؤدى بالأصول لا بالمغامرات والأهواء ، يجب عليه أيضاً أن يجتهد فى تعرف صفات مرشحه وملامح برنامجه حتى يطمئن قلبه ويستريح ضميره. الأصل أن كل فرد حر تماما فى اختياره ، ومستقل بشكل كامل فى انتخاب من يراه مناسباً ، لكن الواقع يفرض أن تتقدم القوى الوطنية لتنتشل هؤلاء من فوضى البرامج المتناثرة ، وترحمهم من الحيرة والتخبط والتورط فى إيذاء الوطن ، وتحميهم من أدوات الإعلام الردئ الذى يشوه الشرفاء ويلبس الحق بالباطل. كل هذا يجب أن يتم بالنصح والإرشاد ، وأن يتسم بمصداقية عالية تمتنع عن استغلال البسطاء أو السيطرة عليهم بالمبالغات أو المعلومات المغلوطة ، وتحرص على التبيين والتوضيح دون إجبار أو إكراه. فى الفقه الإسلامى يجوز للمسلم العادى أن يقلد فى أمور العبادة ، وأن يتبع إماماً من أئمة الدين فى حال عدم قدرته على استنباط الحكم واستخراج الدليل. كلنا مكلفون بالعبادة الصحيحة ، ولكن لسنا جميعاً مطالبون بالإجتهادفى ما هية العبادة الصحيحة. فى موضوع الرئاسة كلنا مطالبون باختيار الأصلح ، ولكن لسنا جميعا مكلفون بتحديد من هو الأصلح. بالنسبة لى .. سأرتضى لدنياى ما أرضاه لدينى. [email protected]