نستكمل معًا الأخطاء القاتلة التى وقعت فيها الثورة 3- عدم وجود مجلس رئاسى مدنى لإدارة المرحلة الانتقالية، تتبعه حكومة وحدة وطنية أو حكومة مدنية لإدارة هذه المرحلة الحرجة من تاريخ البلاد، وتكون مهمة المجلس العسكرى حماية مؤسسات الدولة والمحافظة عليها فقط؟ فالمجلس العسكرى لا يُحسن العمل بالسياسة، وهذه ليست مهمته، وليست لديه الخبرة السياسية، التى تؤهله لإدارة هذا الشأن المهم، وبالتالى فمن الطبيعى أن يخضع لكثير من الضغوط والأفكار من هنا وهناك، ويميل إلى هذا تارة وإلى هذا تارة أخرى، ويظل دائمًا فى حالة تردد، وهذا يفسر لنا سر منهج المماطلة والتسويف، الذى يتبعه المجلس العسكرى منذ اللحظة الأولى لتوليه إدارة شئون البلاد، فليس لديه منهج واضح ومحدد لهذه المرحلة، ويفتقد لرؤية إستراتيجية جامعة للخروج من الأزمة، ومعظم قراراته بالونات اختبار إما أن تستمر أو لا تستمر، وأحيانًا تغلب عليه الطبيعة الديكتاتورية التى تربى عليها مع النظام السابق، أو التى تفرضها عليه الطبيعة العسكرية لرجال الجيش، فلا يسمع لهذا أو ذاك، ويصدر ما شاء من القرارات بليل متبعًا سياسة: ((اللى مش عاجبه يخبط دماغه فى الحيطة))، فهل مصر – فى هذه المرحلة الحرجة – تحتمل مثل هذا التهريج السياسى؟ سؤال يجب علينا جميعًا أن نجيب عنه بكل صدق وأمانة إذا كنا نريد الخير والاستقرار لمصرنا الحبيبة. 4- الإهمال المتعمَّد لتطهير مؤسسات الدولة، خاصة مؤسسة الإعلام ومؤسسة الداخلية، أما عن الإعلام فحدِّث ولا حرج، فما زالت الأبواق، التى تنفخ فى الفتنة والوجوه، التى سئمنا من نفاقها وتملقها هى التى تتصدر المشهد الإعلامى دون أن نشهد أو نشعر بأدنى تغيير فى هذه المؤسسة المهمة، فكان من الأولويات التى لا تقبل التأجيل أو التسويف فى المرحلة السابقة تطهيرُ الإعلام كخطوة أولى ومهمة؛ لأنه بدون تطهير الإعلام فإن أى شىء سوف نقوم به فى الاتجاه الصحيح ليس له معنى ولا فائدة منه؛ لأن الإعلام الموجَّه المغرض سوف يفسده، ولذلك لابد من القيام بثورة تطهير شاملة للإعلام ليتحول من إعلام يخدم جهة معينة ووجهة نظر واحدة إلى العمل فى خدمة الشعب المصرى فقط، وأن يطرح جميع وجهات النظر المختلفة، وأن يتبنى مبدأ: ((الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية)). وقل مثل ذلك عن تطهير وزارة الداخلية، فقد سمعنا كلامًا كثيرًا حول هذه الخطوة المهمة دون أن نرى أثرًا ملموسًا لهذا الكلام على أرض الواقع، وكأن هناك داخل هذه الوزارة قوةً خفيةً لا تريد هذا التطهير ولا تريد أن يحدث التغيير، والعجيب أننا استسلمنا لهذا الواقع وانشغلنا بأمور أخرى أقل أهمية من هذه الخطوة الحاسمة. 5- السكوت على المحاكمة الهزلية لمبارك ورموز نظامه الفاسد، إن هذه المحاكمات تمثل إهانة كبيرة للثورة والثوار، ومسرحية هزلية الغرض منها تخدير الشعب وإسكاته، أو قل: استغفاله والضحك عليه، فحتى الآن لم يصدر حكم واحد يروى غلة هذا الشعب ويُذهب غيظ قلبه ويشفى صدور الموجوعين من أبنائه، وأعتقد أنه لن يصدر مثل هذا الحكم لسببين، أولاً: لأننا تخلينا عن هذه القضية المهمة وتركناها جانبًا وانشغلنا أو شُغلنا عنها عمدًا بسفاسف الأمور، ثانيًا: أنه هكذا وُضعت الخطة للضحك على شعب مصر الطيب، وها هى الأيام تثبت أننا كنا نعيش فى خدعة كبيرة، فصارت صدمتنا أكبر وصار جرحنا أعمق. 6- اختلاف الإسلاميين وتفرقهم، فقد استطاعت الأغلبية الإسلامية أن تحقق إنجازات كبيرة، وصار لها صوت مسموع وقوة لا يُستهان بها ويعمل لها الجميع ألف حساب، لكن سريعًا ما دبَّ الخلاف والشقاق بينهم، ووقعوا ضحية السعاية المغرضة للوقيعة بينهم، وظهر المرض العضال بين أبناء الحركة الإسلامية ألا وهو التعصب للأشخاص على حساب المشروع الإسلامى الذى يتبنونه، ولم يكونوا عند مستوى الحدث المهم الذى تمر به البلاد، وإن لم ينتبهوا إلى مثل هذه الأخطاء ويسعوا إلى تصحيح مسارهم وتوحيد كلمتهم فسيفقدون كثيرًا مما حققوه، وسيفقدون – وهذا هو الأهم – ثقة المصريين فى مشروعهم. وقد بدأت تلوح فى الأفق خيوط مؤامرة إقصاء الإسلاميين وإزاحتهم من المشهد السياسى المصرى، وقد استغل منافسوهم هذا التناحر الحادث بينهم، ولم يعد العلمانيون والليبراليون يتحملون تلكم الديمقراطية، التى جاءت بالإسلاميين، وعادت الصحف القومية والفضائيات إلى نغمتها القديمة فى مهاجمة الإسلاميين وإظهارهم بمظهر المتآمر على الثورة والباحث عن مصلحته الشخصية دون اعتبار لمصلحة الوطن ومصلحة المصريين. إننا لا نريد أن نبكى على اللبن المسكوب، فليس هذا من العقل فى شىء ولا من الحكمة، ولكن العقل يدعونا إلى التوقف قليلاً لنعيد ترتيب أوراقنا ونعيد حساباتنا، ونتعرف على العراقيل التى تقف فى طريق ثورتنا، لأننا إذا وقفنا على أخطائنا بصدق وشفافية فإننا نستطيع أن نتدارك هذه الأخطاء ونتجنبها ونصحح ما يمكن تصحيحه منها لتمضى قاطرة الوطن فى طريقها الصحيح نحو الهدف الصحيح. إننا نعيش معركة حقيقية من أجل نجاح الثورة المصرية، والمقاتل الحاذق والسياسى الماهر لا يصح أن يترك وراءه ما يعرِّض جهوده وإنجازاته للخطر، بل عليه أن يكون حريصًا على القضاء على كل جيوب المقاومة المضادة مهما كانت ضعيفة، ولا يستهين بشىء مهما كان قليلاً، لأن مرور الوقت كفيل بأن يتيح للضعيف أن يقوى وللقليل أن يكثر حتى يشكل عقبة حقيقية وخطرًا مؤكدًا على إنجازات الثورة. إننا لا نبتغى من وراء هذا النقد والتحليل للأحداث التى مرت بها ثورتنا إلا أن نقف على أخطائنا ونصحح مسارنا وننتبه إلى الأخطار المحدقة بنا وبثورتنا وببلدنا الحبيب، فتشخيص الداء أول طريق العلاج. [email protected]