يبدو أن مصر تدرك جيدا أبعاد المؤامرة الأمريكية الصهيونية الجديدة التي تستهدف تمزيق السودان، ولذا تحركت سريعا لاحتواء الأزمة المتصاعدة بين الخرطوموجوبا، على خلفية احتلال قوات الجنوب لمنطقة هجليج النفطية السودانية التي تقع على الحدود بين البلدين. ففي منتصف إبريل، كلف رئيس المجلس العسكري الحاكم في مصر المشير محمد حسين طنطاوي وزير الخارجية محمد كامل عمرو بالسفر إلى دولتي السودان وجنوب السودان لاحتواء الأزمة القائمة بينهما، كما أجرى وزير الخارجية المصري اتصالا هاتفيا مع نظيره الإثيوبي هايليمريم ديسالن لاحتواء تلك الأزمة. وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية إن المشير طنطاوي أصدر أوامره بإيفاد عمرو إلى الدولتين لتقريب وجهات النظر بينهما. وأضافت الوكالة أن طنطاوي أجرى اتصالين هاتفيين بالرئيس السوداني عمر البشير ورئيس جنوب السودان سيلفا كير ميارديت لبحث المشكلة الحالية بين البلدين. وفي السياق ذاته، قالت الخارجية المصرية في بيان لها إن عمرو بحث مع ديسالن آخر تطورات الموقف على الحدود بين السودان وجنوب السودان والتنسيق بين التحركات المصرية والإثيوبية لتدارك الأزمة بين الخرطوموجوبا . وأضاف البيان أن عمرو عرض على نظيره الإثيوبي رؤية مصر للتعامل مع الأزمة والخطوات التي يمكن من خلالها نزع فتيل التوتر وتحقيق التهدئة، بما يساعد على وقف التصعيد العسكري وتهيئة الأجواء لاستئناف المفاوضات بينهما. وأعرب ديسالن - بحسب البيان - عن ترحيبه بالمساعي المصرية، واتفق الجانبان على مواصلة التنسيق وصولا إلى احتواء الأزمة. وبالنظر إلى أن التحركات المصرية لاحتواء الأزمة جاءت متزامنة مع بدء الجيش السوداني معركة تحرير هجليج من قبضة قوات الجنوب، فقد رجح كثيرون أن تكلل بالنجاح، خاصة بعد تأكد جنوب السودان أن الشمال عازم على استعادة هجليج مهما كان الثمن، بالإضافة إلى مطالبة الاتحاد الإفريقي ومجلس الأمن الدولي جوبا بالانسحاب الفوري غير المشروط من تلك المنطقة الحدودية الاستراتيجية التي تقع في جنوب ولاية كردفان السودانية وتوفر نصف إنتاج الشمال من النفط الخام. وكانت قوات جنوب السودان احتلت هجليج في 10 إبريل في أعقاب اشتباكات متقطعة منذ 26 مارس الماضي بين جيشي الشمال والجنوب على الحدود بينهما. وزعمت جوبا أن هجليج تابعة لجنوب السودان وضمت إلى الشمال بعد اكتشاف النفط بها في سبعينيات القرن الماضي أثناء حكم الرئيس السوداني السابق جعفر النميري، فيما ردت الخرطوم بأن المنطقة سودانية خالصة ولا تدخل في المناطق المتنازع عليها بين الدولتين، كما أكد الاتحاد الإفريقي أن منطقة هجليج سودانية وتقع إلى الشمال من خط الحدود الذي اتفق عليه في الأول من يناير عام 1956. ورغم أن جوبا ربطت سحب قواتها من هجليج بانسحاب القوات السودانية من منطقة أبيي المتنازع عليها، ونشر مراقبين دوليين على طول المناطق المتنازع عليها إلى حين التوصل إلى اتفاق على ترسيم الحدود، إلا أن الإدانة الإفريقية والدولية لها أضعفت موقفها وزادت من تصميم السودان على استعادة أراضيه المحتلة بكل الوسائل المتاحة. وفي منتصف إبريل، أعلن الجيش السوداني أن قواته دخلت بالفعل منطقة هجليج، وهو ما نفته جوبا قائلة إنها ما تزال تسيطر على المنطقة. وأوضح المتحدث باسم الجيش السوداني العقيد الصوارمي خالد سعد أن قواته تقاتل قوات الجنوب بالقرب من حقل الرئيسي في هجليج ، هذا فيما أعلن وزير الإعلام في جنوب السودان برنابا ماريال بنيامين أن جيش بلاده صد محاولة من الجيش السوداني لاستعادة السيطرة على المنطقة. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن تحرك مصر والاتحاد الإفريقي من شأنه أن يردع جوبا عن مواصلة تنفيذ المؤامرة الإسرائيلية الأمريكيةالجديدة الهادفة لتمزيق الشمال وتقسيم ما تبقى من السودان بعد انفصال الجنوب في يوليو من العام الماضي. فمعروف أنه منذ انفصال الجنوب، تتنازع الخرطوموجوبا بشأن عدة قضايا خلافية، في مقدمتها الحدود ورسوم عبور النفط الجنوبي عبر الشمال، إضافة إلى الجنسية والديون الخارجية، وهي أمور رأت فيها إسرائيل فرصة ذهبية لتمزيق ما تبقى من السودان وتهديد الأمن القومي المصري، إلا أن القاهرة تحركت سريعا لإجهاض مثل تلك المؤامرة.