منذ أن انفجرت قنبلة ترشيح خيرت الشاطر لانتخابات الرئاسة والتحذيرات تتوالى بشكل مباشر أو غير مباشر من ضربة قاصمة آتية من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ضد جماعة الإخوان المسلمين التى تجرأت وأقدمت على الانتحار ووضعت نفسها فى فم الأسد بعد أن تخلت عنها القوى السياسية والثورية؛ فالمجلس العسكرى لم يكن ليقف صامتًا يتفرج إزاء "تكويش" الإخوان على سلطات الدولة جميعًا. قيل هذا الكلام بشكل أو بآخر فى البرامج التليفزيونية والإذاعية وفى المقالات والتحليلات والتخمينات ..حتى صرنا ننتظر الضربة العسكرية بين لحظة وأخرى لمنع الإخوان من السيطرة على مقدّرات البلد ومؤسساته وهناك مَن يقول الرسالة بشكل واضح وصريح ممزوجة بشىء من التشفى وهناك مَن يلجأ إلى التلميح ليبدو عالمًا ببواطن الأمور. وعلى الرغم من وجود تحليلات مضادة لفكرة الانقلاب العسكرى تقول إن الشاطر هو الرئيس التوافقى بين الإخوان والمجلس العسكرى باعتباره كان مهندس الاتفاقات السابقة بين الطرفين ، وأن هناك تنسيقًا ليتولى أيمن نور منصب نائب رئيس الجمهورية، أقول: على الرغم من هذه التحليلات إلا أن الأصوات التى تروج وتحرض وتنادى على الانقلاب العسكرى هى الأقوى والأكثر انتشارًا. ومن العجيب أن أصحاب هذه الأصوات يظنون أنهم سيكونون فى مأمن من الضرر ، بل منهم مَن يتصور أنه سيحصد مكاسب عديدة على حساب الإخوان عندما يطيح المجلس العسكرى بهم ويعيدهم إلى خانة الحظر ويفسح المجال لغيرهم، مع أن تاريخنا القريب والبعيد فيه ما يكفى من القرائن على أن الطغيان لا يستثنى أحدًا والاستبداد إذا ما حل لا يقع على الإخوان وحدهم. وبصرف النظر عن رأينا فى أسباب وتداعيات انفجار قنبلة ترشيح الشاطر الذى جاء فى أعقاب معركة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وما صاحبها من تكتل ليبرالى فى مواجهة الإخوان والسلفيين، فإن الحضور العسكرى فى اللعبة السياسية أصبح أكثر وضوحًا وفاعليةً، وظهر تيار سياسى يلوذ بالعسكريين طلبًا للحماية من الهيمنة الإسلامية وبدأنا نسمع الدعوات لترشيح المشير طنطاوى للرئاسة أو ترشيح الفريق سامى عنان رئيس الأركان، وكلاهما نفى هذا الترشيح جملة وتفصيلاً، كما تكررت عبارة أطلقها صلاح عيسى الكاتب اليسارى فى ظل النظام السابق قال فيها: "حكم العسكر ولا يوم فى حكم الإخوان"!؛ ولأن القوى الليبرالية والعَلمانية ترى نفسها أضعف من أن تواجه القوى الإسلامية على المستوى الشعبى والسياسى فقد نقلت المعركة إلى أرض بعيدة عنها؛ لتصبح المواجهة دائمة الاحتمال والتوقّع بين الإسلاميين والمجلس العسكرى، ويظل المجلس العسكرى فزّاعة وسيفًا مشهرًا فى وجوه الإخوان والسلفيين. وقد بدأ هذا المنحى الفجّ بإعلان الدكتور عمار على حسن من جانب واحد أن الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب تلقى رسالة تهديد مباشرة من المشير طنطاوى بحل المجلس إذا ما أصر حزب "الحرية والعدالة" على التصعيد وتنفيذ تهديده بسحب الثقة من حكومة الجنزورى، وعلى الرغم من أن الكتاتنى نفى ذلك تمامًا إلا أن المعنى والاتجاه كان واضحًا فى الترويج للانقلاب على الشرعية من جانب المجلس العسكرى. ثم جاءت الخُطوة التالية فيما نشره مصطفى الجندى عضو مجلس الشعب فى جريدة "اليوم السابع" عن تفاصيل ما حدث فى اجتماع المشير مع المجلس العسكرى وقيادات الأحزاب الممثلة فى البرلمان لبحث كيفية تسوية أزمة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وقد ذكر فى تسريباته هذه أن المشير هدد بصدور حكم من المحكمة ضد تشكيل الجمعية التأسيسية، كما أن هناك حُكمًا آخر ضد تشكيل مجلسى الشعب والشورى؛ بما يعنى إمكانية حلهما، وتحدث الجندى عن هذه الأحكام كما لو كانت فى جيبه!، وهو أمر عجيب ومسىء إلى القضاء المصرى، ثم جاء دور الزميل مصطفى بكرى الذى صرح بأن الفترة القادمة سوف تشهد مفاجأة كبيرة ربما تغير كثيرًا من أوراق الخارطة السياسية لنقل السلطة فى مصر، مؤكدًا عقب اجتماع مع الجنزورى وبعض الوزراء وأعضاء مجلس الشعب من غير الإخوان أن هذه المفاجأة بعيدة تمامًا عن ترشيح شخصيات بعينها للرئاسة. وقد فهم كثيرون من هذا التصريح أنه تلويح بإمكانية قيام المجلس العسكرى بإجراءٍ ما لتغيير قواعد اللعبة السياسية وليس مستبعدًا أن يكون هذا الإجراء انقلابًا عسكريًّا أو دستوريا، يعيد رسم الخارطة السياسية على النحو الذى يريده الليبراليون والعَلمانيون ويعيد المُناخ السياسى فى مصر إلى ما قبل استفتاء 19 مارس 2011 ، الذى كشف عن الأوزان السياسية الحقيقية للقوى المختلفة فى الشارع. يؤكد هذا الفَهم ويرسخه أن العُنوان الكبير الذى اختاره بكرى لمقاله المنشور فى "الأخبار" أمسِ الأول (الاثنين)، كان "الجيش والإخوان .. هل يحدث الصدام؟!"، ولم يُجب بكرى عن السؤال بنعم أو لا، لكنه نقل من اجتماع المشير والمجلس العسكرى مع قادة الأحزاب مشهدًا مغايرًا لما نقله مصطفى الجندى، حيث قال: "وما أن ذكر أحد الحاضرين كلامًا عن حل مجلس الشعب، إذ بالمشير ينتفض على الفور ويقول: "مجلس إيه اللى يتحلّ، مِين قال كده ما فيش حاجة من الكلام ده؟". وعلى هذا النحو فإن المشير قد نفى الاتجاه لحل مجلس الشعب والانقلاب على الشرعية، لكن الكلام عن الحل طُرح وخرج من الصدور بشهادة بكرى والجندى معًا، وهو ما يؤكد أن هناك مَن يروج ويحرض ويقترح ويفتح الباب على مصراعيه. تقول مانشيتات صحيفة "الدستور" يوم الاثنين الماضى: "مَن الذى قفز وسرق الثورة ؟!، هل أطاح الإخوان بالديمقراطية التى قامت من أجلها الثورة ؟!، أين المجلس العسكرى من كل هذا ؟!". إذن هم يستدعون المجلس العسكرى للانقلاب سياسيًّا أو عسكريًّا على المسار الديمقراطى وهم مستعدون لقبول هذا الانقلاب أيًّا كان مادام سيخلصهم من الإخوان، وتلك هى الديمقراطية التى يعرفونها. أما المجلس الاستشارى فقد كان أكثر فجاجةً فى اجتماعه الأخير مساء الأحد الماضى؛ حيث طالب المجلس العسكرى بكل صراحة بإصدار إعلان دستورى جديد لتغيير المادة 60، وتقديم معايير لتشكيل الجمعية التأسيسية للدستور، تجعل الأحزاب والقوى على مستوى واحد دون اعتبار للأوزان السياسية فى الشارع.. وهذا تكريس واضح لفكرة الانقلاب على الشرعية وتحريض مفضوح ضد الإسلاميين وانتهاك للديمقراطية. ومعروف أن التيار الليبرالى واليسارى كان ينزع دائمًا إلى فكرة الاستقواء بالمجلس العسكرى وقد سخر المجلس الاستشارى الذى يهيمن عليه لهذه المهمة بدلاً من أن يجعل المجلس الاستشارى عونًا صادقًا للعسكريين كما أُريد له، يُستثنَى من ذلك الرجل المحترم السيد منصور حسن الذى رفض محاولات د. محمد نور فرحات المتكررة لفرض وصاية الاستشارى على تشكيل الجمعية التأسيسية وأصر منصور حسن على أن يكون أمر تشكيل التأسيسية موكولاً بالكامل للبرلمان بغرفتيه باعتباره حقًّا أصيلاً له فى الإعلان الدستورى وهو ما دفع نور فرحات إلى الاستقالة بعد أن باءت كل محاولاته بالفشل. وجاء سامح عاشور ليلعب نفس الدور الذى أراده نور فرحات وخدمته الظروف بغياب منصور حسن وستة من كبار الشخصيات المحترمة فى المجلس الاستشارى، ومن ثم فقد خلت له الساحة ليمارس دوره الأثير فى التحريض والدسّ السياسى وجاء بيانه محملاً بمخزون هائل من البغضاء والغِلّ. والأمر المؤكد أن المجلس العسكرى أكثر ذكاءً ووَعيًا من هؤلاء المحرّضين والمروّجين للانقلاب ولا يمكن لمَن حمى الثورة ووضع روحه على كفه أن يغامر بسمعته وبما يحبط مجده لكى يُرضى أقلية قليلة دأبت على أن يكون صوتها أعلى من وزنها ومن قامتها. [email protected]