في تطور مؤسف جديد من شأنه أن يضاعف مأزق الحكومة الكويتية، اقتحم العشرات من أبناء قبيلة العوازم، وهي أكبر قبيلة في البلاد، فجر الإثنين الموافق 19 مارس مقر قناة "سكوب" الخاصة، احتجاجا على تصريحات أدلى بها النائب حسين القلاف واعتبروها مسيئة لشيخ قبيلتهم فلاح بن جامع. وذكرت وكالة الأنباء الفرنسية أن أكثر من 50 شخصا اقتحموا القناة وحطموا معدات فيها بعد أن بثت مقابلة مع النائب حسين القلاف وهو نائب شيعي ويعد مقربا من الحكومة السابقة برئاسة الشيخ ناصر المحمد الصباح. وأضافت الوكالة أن المقتحمين اتهموا القلاف بالإدلاء بتصريحات مسيئة لشيخ "أمير" قبيلة العوازم فلاح بن جامع، وطالبوا بمعاقبته وإغلاق قناة سكوب. وبالنظر إلى أن الحادثة السابقة جاءت متزامنة مع تصاعد خسائر الاقتصاد الكويتي على إثر الإضرابات المتواصلة في البلاد للمطالبة بتحسين الرواتب والأجور، فقد حذر كثيرون من أنها ستسبب حرجا بالغا للحكومة الكويتية برئاسة الشيخ جابر المبارك الصباح، خاصة أن "إساءة" القلاف تحولت على الفور إلى مواجهة جديدة بين الحكومة والأغلبية النيابية في مجلس الأمة. وكان وزير الإعلام الكويتي الشيخ محمد عبد الله المبارك الصباح أكد في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الكويتية أن الحكومة بجميع أجهزتها لا تقبل الإساءة إلى أي شريحة من شرائح المجتمع أو أي قبيلة من قبائله او أي فئة من فئاته. وأضاف أن وزارة الإعلام تعكف على رصد كل ما من شأنه مخالفة قوانين المرئي والمسموع والمطبوعات والنشر، تمهيدا لاتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالفين، مؤكدا أن التعامل مع هؤلاء سيكون بشكل صارم وحازم. وفي المقابل، شن عدد من نواب العوازم والأغلبية البرلمانية في مجلس الأمة هجوما عنيفا على القلاف والحكومة، كما وصفوا قناة "سكوب" بإنها "إحدى أذرع الإعلام الفاسد"، بل وتوعدوا أيضا باستجواب رئيس الحكومة الشيخ جابر المبارك ووزير الإعلام الشيخ محمد العبد الله إذا لم يتخذ إجراءات كفيلة بمعاقبة المسيئين وإغلاق القناة. وقال النائب من الأغلبية سالم النملان في تصريحات شديدة اللهجة:"إن الأغلبية سيكون لها وقفة جادة يندم عليها الجميع كبيرا وصغيرا في هذا البلد ومن لا يحترمنا سندوس عليه"، واصفا القلاف بأنه "سفيه وناقص العقل ولا يستحق شرف تمثيل الأمة ولم يتعلم الدرس". واستنكر النملان الإساءة لأمير قبيلة العوازم، مؤكدا أن هذا الأمر لن يمر مرور الكرام وسيحاسب عليه حسابا عسيرا، هذا فيما اعتبر النائب مبارك الوعلان أن القلاف من جواسيس طهران وهدفه هو جر البلاد إلى معارك جانبية وصرف النظر عما يحدث في سوريا ومخططات إيران في المنطقة. ورغم أن القلاف قدم اعتذارين متتاليين قال فيهما:" كل التقدير والاحترام لكافة شرائح المجتمع، للأسف سعى البعض لتفسير كلامي على أنه إساءة إلى أمير قبيلة العوازم رغم أنني لم أقصد الإساءة وإذا يعتقد البعض أنني أخطأت في حقهم،فأنا أقدم الاعتذار حرصاً على حفظ روح الألفة والمحبة بين أبناء الوطن"، إلا أن هذه الحادثة سلطت الضوء على استمرار التوترات القبلية الحضرية في الكويت، حيث سبق أن أحدث النائبان الحضريان محمد الجويهل ونبيل الفضل أيضا جدلا واسعا في البلاد بسبب تصريحات مسيئة لقبيلة المطير خلال الحملة الانتخابية الأخيرة. ولعل ما يضاعف من مأزق الحكومة في هذا الصدد أن أبناء القبائل الذين يشكلون غالبية سكان الكويت حققوا فوزا ساحقا بالتداخل مع التيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي أجريت في 2 فبراير الماضي. أيضا، فإنه بعد أن كان أبناء القبائل تاريخيا من حلفاء الحكومة، تحولوا بغالبيتهم خلال السنوات الأخيرة إلى صفوف المعارضة، ما أحدث تغيرا جذريا في المشهد السياسي الكويتي، بل وينتمى قسم كبير من نواب القبائل إلى التيار الإسلامي. وبالنظر إلى أن البرلمان الكويتي لم يقر بعد "قانون حماية الوحدة الوطنية"، الذي يجرم المس بمكونات المجتمع الكويتي، على ضوء تصاعد التوترات السنية الشيعية، والحضرية القبلية في البلاد، فقد ظهرت مخاوف من أن تنفذ المعارضة التي تشكل الأغلبية في مجلس الأمة تهديداتها باستجواب رئيس الوزراء، خاصة في ظل تأييدها لبعض مطالب المضربين في مؤسسات الدولة المختلفة ورفض الحكومة إجراء مفاوضات تحت "سيف" الإضراب . وكانت الكويت شهدت في الأيام الأخيرة سلسلة من الإضرابات في مختلف عموم البلاد للمطالبة بتحسين الرواتب والأجور كان أبرزها إضراب العاملين في الخطوط الجوية الكويتية والإدارة العامة للجمارك، ما تسبب في خسائر للاقتصاد الكويتي قدرت بالملايين. وفي جلسته الأسبوعية في 18 مارس، رفض مجلس الوزراء الكويتي الرضوخ لمطالب المضربين تحت تهديد الاستمرار بالإضراب، قائلا في بيان له:"لا مفاوضات تحت سيف الإضراب، ولا ابتزاز، و لا سماح للمساس بمصلحة البلاد والمواطنين والاقتصاد الوطني". وفي المقابل، تصاعدت ضغوط نواب الأغلبية على الحكومة لدفعها إلى الاستجابة لمطالب المضربين لتحقيق مكسب سياسي يقنعون به قواعدهم الانتخابية، وطالب عدد منهم برفع نسبة الزيادة في الرواتب والأجور إلى 35 في المائة بدلا من 25 بالمائة وزيادة رواتب المتقاعدين إلى 25 في المائة وصرف حوافز العاملين في القطاع الخاص حسب شهاداتهم. وبصفة عامة، يجمع كثيرون أن انتخابات مجلس الأمة الأخيرة لم تضع حدا لمسلسل الأزمات السياسية المتكررة في الكويت على خلفية ضعف الحكومات المتعاقبة وإساءة بعض نواب مجلس الأمة استخدام حق الاستجواب.