يبدو أن الاعلان عن اعتقال عبد الله السنوسي رئيس الاستخبارات في عهد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي جاء في توقيت مناسب جدا لإنقاذ الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز من الدعوات المتصاعدة لإسقاط نظامه على خلفية الاستياء الشعبي المتنامي في بلاده إزاء غياب الإصلاحات السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وكانت السلطات الموريتانية أعلنت في 17 مارس عن اعتقال السنوسي في مطار نواكشوط الدولي لدى وصوله من الدارالبيضاء في المغرب على متن رحلة جوية عادية تابعة للخطوط الملكية المغربية، حيث تم اقتياده مباشرة إلى مقر أمن الدولة في نواكشوط. وأوضحت مصادر أمنية موريتانية أن السنوسي الذي كان يسافر بجواز سفر مالي مزور اعتقل برفقة نجله محمد، إلا أنها لم تكشف تفاصيل أخرى. وبالنظر إلى أن السنوسي كان يعرف كل أسرار نظام القذافي، فقد أشار كثيرون إلى أن موريتانيا بات بحوزتها "كنز ثمين"، خاصة أن هناك جهات عدة في العالم طالما سعت لاعتقاله ولم تفلح في هذا الصدد. ويبدو أن الروايات المتضاربة حول كيفية اعتقال السنوسي وما تزامن معها من طلبات من عدة جهات لتسليمه إليها تكشف أيضا حجم الإنجاز الذي حققه نظام ولد عبد العزيز والذي لن يفوته بالتأكيد لإبرام صفقة ناجحة ترفع شعبيته وتطيل أمد بقائه في السلطة. وكان موقع "الأخبار" الموريتاني أعلن أن باريس ونواكشوط اتفقتا على عملية استدراج السنوسي وأن أطرافا مقربة منه سياسيا تم استغلالها فى عملية إقناعه بالتوجه إلى موريتانيا باعتبارها البلد الأكثر أمانا له خلال المرحلة القادمة. وتابع الموقع أن السنوسي وصل إلى نواكشوط في 17 مارس على متن رحلة للخطوط الملكية المغربية وقد رافقه عناصر من الأمن الموريتاني في الرحلة ذاتها، كما استقبل من قبل ضباط من جهاز أمن الدولة لدى هبوطه في مطار نواكشوط. وفي المقابل، نقلت صحيفة "القدس العربي" اللندنية عن مصادر موريتانية القول إنه كانت هناك علاقات متينة بين السنوسي ورموز السلطة الموريتانية خاصة الرئيس محمد ولد عبد العزيز الذي كان ينظر إلى السنوسي باعتباره مفتاح قلب القذافي، وبالفعل انفتحت أبواب قلب القذافي أمام ولد عبد العزيز وقام العقيد الليبي الراحل بإغداق الدعم بأنواعه السياسية والاقتصادية عليه وإنقاذه من أزمة الحصار الدولي الذي فرض عليه بعد قيامه بانقلاب عسكري في موريتانيا. وتابعت المصادر ذاتها أن السنوسي حصل على تطمينات من نظام ولد عبد العزيز بتأمينه وفرنسا التي كانت على علم بالموضوع دعت النظام الموريتاني إلى مزيد من التعامل الإيجابي مع السنوسي بغية اعتقاله. وأضافت" نواكشوط تسعى لصفقة من صفقات التراضي مع كل من فرنسا وليبيا، حيث أن السنوسي بوصفه صيدا ثمينا، قد ينقذ موريتانيا من أزمات كثيرة في ظل تصاعد دعوات المعارضة للإطاحة بنظام ولد عبد العزيز". ومن جانبه، نقل موقع "السراج" الموريتاني عن مصادر مقربة من عائلة القذافي المنفية بين الجزائر والنيجر القول إن السلطات الموريتانية استخدمت موضوع الودائع المالية الضخمة للعائلة في موريتانيا في عملية استدراج السنوسي، حيث أن عائلة العقيد تعيش أوضاعا مالية صعبة وأنها حاولت خلال الأسابيع الأخيرة الوصول إلى مبالغ مالية كبيرة كان العقيد قد هربها إلى موريتانيا قبل أسابيع من سقوط طرابلس. وتابعت المصادر ذاتها" تلقت العائلة ردا إيجابيا من الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز الذى كان العقيد يعتبره في آخر أيام حياته رجل ثقته الأبرز، ووعد الرئيس الموريتاني بتأمين دخول وخروج عبد الله السنوسي وتمكينه من المبالغ المالية التي يحتاج، وهو أمر أطمأنت له العائلة وقبل به السنوسي الذي كان يثق ثقة كبيرة في الرئيس الموريتاني". وتتواصل الروايات المتضاربة، حيث ذكرت وكالة "الأخبار" الموريتانية أن عبد الله السنوسى كان وصل إلى المغرب قبل شهور قادما من جمهورية مالي، وأنه أقام بمدينة الدارالبيضاء مع نجله تحت مراقبة الأجهزة الأمنية المغربية، وكان متابعا من المخابرات الفرنسية طيلة مقامه بالمغرب، إلا أن الحكومة المغربية رفضت السماح للفرنسيين بتوقيفه أو التحقيق معه على أراضيها. وأضافت الوكالة أن الرباط تجنبت الإعلان عن وجود السنوسي على أراضيها خوفا من أن يتسبب لها فى احراج دبلوماسي أمام الحكومة الليبية، مثلما هو الحال مع الجزائر بسبب استضافتها أفراد من عائلة القذافى بينهم ابنته عائشة ونجله محمد. ومن جانبها، ذكرت قناة "العربية" أن استدراج السنوسي من المغرب إلى موريتانيا تم بوساطة من شخصية موريتانية رفيعة قدمت له كافة الضمانات والتطمينات بشأن عدم اعتقاله في موريتانيا، موضحة أن الهدف من زيارة السنوسي لموريتانيا ليس التخفي فيها، بل استرجاع بعض الودائع المالية التي كانت أسرة القذافي أودعتها هناك. كما ذكر موقع "كود" المغربي أن السنوسي كان في المغرب متخفيا، وأن المخابرات المغربية "لادجيد" كانت على علم بوجوده وأنها فضلت عدم اعتقاله لكونه مطلوبا من ليبيا ومن قبل المحكمة الجنائية الدولية ومن قبل العدالة الفرنسية. وتابع الموقع أن المغرب اختار أن يخبر السلطات الموريتانية كي تعتقله أثناء وصوله إلى موريتانيا، وأضاف أنه لولا المغرب لما تم اعتقاله لأن السنوسي له أناسه في موريتانيا كانوا سيسهلون مروره بالمطار حتى بدون مراقبة. وبصفة عامة وأيا كانت صحة الروايات السابقة، فإن الحقيقة التي لاجدال فيها أن السنوسي بات في قبضة موريتانيا، الأمر الذي سيوفر فرصة ذهبية لها للمساومة مقابل تسليمه سواء كان ذلك إلى ليبيا أو فرنسا أو المحكمة الجنائية الدولية. فمعروف أن هناك تقارير حول أن للسنوسي "62 عاما" دور رئيسي في قتل أكثر من 1200 معتقل ليبي خلال تمرد في سجن أبوسليم بطرابلس في عام 1996، كما يواجه أمرا دوليا باعتقاله بعدما حكمت عليه محكمة فرنسية غيابيا بالمشاركة في تفجير طائرة فرنسية بالنيجر عام 1989، وهو الحادث الذي أسفر عن مقتل 170 شخصا. وصدرت بحقه أيضا مذكرة توقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية في 27 يونيو من العام الماضي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية منذ بدء الثورة الليبية، خصوصا في طرابلس وبنغازي ومصراتة. بل ولم يستبعد البعض أيضا أن تتدخل جهات عربية وغربية أخرى على خط المطالبة بتسليم السنوسي بالنظر إلى أنه كان عين وأذن وقلب القذافي ومخزن أسراره.