أربع وعشرون سنة فى عمر أى إنسان ليست هينة، فهى قد تكون نصف عمر الإنسان أو عمره كله، وعلى أكبر مدى ربع عمره.. فإذا كانت هذه المدة هى عمر الدكتور ناجح إبراهيم عضو مجلس الشورى للجماعة الإسلامية فى السجون المصرية. لو استنطقتم الدكتور ناجح، فيما رآه وشاهده وعايشه هو ومن معه من الإسلاميين، فى السجون من أصناف وألوان التعذيب، لقال لكم الكثير والكثير والكثير. ويكفى أنه يقول: إن بعض الإسلاميين المسجونين كانوا يعذبون عراة، وبعضه ظل ستة أشهر كاملة عرايا تمامًا لا يتناولون إلا "ساندوتشا" فى الإفطار ومثله فى العشاء حتى يستطيعوا أن يقوموا أودهم. ويصف بعضهم بأنه كان فى حالة مزرية وبصفته طبيبًا كان يكشف عليهم ويصف حالتهم الصحية بأنها مدمرة. نرجع لسؤالنا القضية، لماذا يسامح ناجح من عذبوه طوال فترة طويلة من العمر قرابة الربع قرن أو بالتحديد 24 سنة، وكما يقول ناجح إبراهيم عن نفسه: "أنا لا أشغل نفسى بحب الانتقام ولا الثأر ولا أحمل حقدًا ولا حسدًا لأحد، أفكر كثيرًا فيمن أحسن إلىّ، وهم كثيرون، وأنسى كل من أساء إلىّ، فتذكر الألم كل فترة يحطم الإنسان نفسه ويجعله منبَتا للحقد والغل، وأنا ممن يقتدون بالحسن بن على، عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبى سفيان، حتى عندما قتلوه بالسم وسألوه عمن سمه، رفض تسمية من تسبب فى قتله، وآثر أن يموت شهيداً لحقن دماء المسلمين، فالحسن من الشخصيات العظيمة التى لم تأخذ حقها مثل الحسين. ويقول حسب ما نقله عنه موقع "علامات أون لاين"، إن من أسباب تسامحى أيضا أن الدول لا تقام إلا بالتسامح.. فالرسول صلى الله عليه وسلم عند فتحه لمكة بعد أن طُرد منها قال للناس "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وقد سجن المناضل الجنوب إفريقى نيلسون مانديلا 27 عامًا، وعُذب وضُيق عليه، إلا أنه خرج صافى النفس، وكان يستطيع أن يبيد البيض، إلا أنه عمل مصالحات وجعل الجميع يتصالح وأشرك الكل فى الحكم من أجل أن تقوم دولة جنوب إفريقيا وتكون من الدول العظيمة، وقد كانت بالفعل. ويقول أيضا: كذلك عندما تدبرت فى آيات القرآن الكريم، وجدت أن الله أمر رسولنا الكريم بالصفح عمن آذوه فى سبع عشرة آية.. وهذا أمر شخصى بالنسبة لى، فأنا اخترت مبدأ التسامح، وهو مسألة اختيار، فحتى فى القصاص يجوز لك أن تختار هل ستطبق القصاص أم لا، والعفو أقرب للتقوى. كلام ناجح إبراهيم، كلام عاقل وحكيم ورزين رغم ضياع العمر وزهوته وزهرته فى سجون من ظلموه، دون ذنب أو جريمة أو جريرة إلا قولة الحق والمطالبة بنشرها وإشاعتها فى المجتمع ومحاربة الفساد الذى حاربه الله وحاربه رسوله والمؤمنون فى كل عصر ومصر. ومن وحى ذلك أقول لكم جميعا: انشروا مبدأ التسامح بين المجتمع واعفُ أيها المظلوم عمن ظلمك، واعلم أن الله تعالى سيقتص ممن ظلمك على النقير والقطمير، وستأخذ من حسناته ويأخذ هو من سيئاتك، ثم تطرح عليه ثم يطرح بعد ذلك فى النار، فى الوقت الذى ستساق فيه أنت إلى جنات النعيم فى صحبة "النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".. والدليل على ذلك أنك صبرت ابتغاء وجه الله، والله يبشر كل صابر بقوله، وقوله الحق: "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب". ** آخر كبسولة من حكم أقوال الشيخ محمد متولى الشعراوى- يرحمه الله- هذه العبارات العذبة: (إذا أهمّك أمر غيرك، فاعلم بأنّك أصيل.. وإذا رأيت فى غيرك جمالاً، فاعلم بأنّ داخلك جميل.. وإذا حافظت على الأخوة، فاعلم بأنّ لك على منابر النور زميل.. وإذا راعيتَ معروف غيرك، فاعلم بأنّك للوفاء خليل.. من ابتغى صديقاً بلا عيب، عاش وحيداً.. من ابتغى زوجةً بلا نقص، عاش أعزباً.. من ابتغى حبيباً بدون مشاكل، عاش باحثاً.. ومن ابتغى قريباً كاملاً، عاش ناقصا). دمتم بحب [email protected]