جرى يوم الجمعة الماضي 16 ديسمبر 2005 ، حدثان هامان متعلقان بالقضاء والقضاة في مصر وإن اعتبرهما البعض حدثا واحدا ، وهما عقد الجمعية العمومية لنادي القضاة وإجراء انتخابات لرئيس ومجلس إدارة النادي لدورة جديدة مدتها ثلاث سنوات ، وعقد الجمعية العمومية جاء عقب نشاط غير عادي وحراك غير مسبوك داخل القضاة سبق أن نشرت عنه في هذا المكان مقالا بعنوان " استقلال القضاة " يوم 4 / 9 / 2005 الماضي ، وكان أخر هذا النشاط غير العادي هو الإشراف على الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي جرت في مصر على ثلاث مراحل بدءا من 9 نوفمبر حتى 7 ديسمبر 2005 ، وحدثت فيها أحداث دامية وتجاوزات وخاصة في المرحلتين الثانية والثالثة وإن كانت الثالثة هي الأسوأ بامتياز من حيث التجاوزات والتدخلات والاعتداءات ، وأسوأ ما في هذه الأحداث هو العدوان على رجال القضاء رمز العدالة والنزاهة والأمان بالنسبة للمصرين جميعا ، فإليهم يذهبون بحثا عن العدل والإنصاف والقصاص من المعتدي والجائر ، ولهذا إن وقع العدوان على بعض هؤلاء الرجال فهي مصيبة أكبر من المصائب الأخرى وإن تساوت مع جريمة أخرى فهي جريمة التزوير الفاضح في نتائج الانتخابات ، ولهذا أكدت هذه الجمعية العمومية الساخنة التي عُقدت في نفس يوم الانتخابات أي الجمعة الماضية 16 ديسمبر 2005 على قوة وانتشار واتساع تيار الاستقلال داخل السادة القضاة ورجال النيابة في مواجهة تيار السلطة والذي أكدته بشكل قاطع نتائج الانتخابات التي جرت على موقع رئيس النادي ومجلس إدارته والتي سنشير إليها لاحقا ، أقول أكدت هذه الجمعية على قوة تيار الاستقلال فيما جرى من نقاشات وتصويت على موقف القضاة مما جرى من تدخل في عملية الانتخابات البرلمانية الأخيرة وما جرى من عدوان على بعض من زملائهم الاجلاء وعلى رفض هذا التدخل والعدوان والتي وصل بتصريح رئيس النادي المستشار زكريا عبد العزيز إلى القول كما نُشر أمس منسوبا إليه " لو لم يتم الكشف عن المتورطين في التعدي عليهم ( يقصد رجال القضاة ) سنلجأ إلى المطالبة بمحاكمتهم دوليا " وهو مؤشر هام وتطور ذو دلالة موجعة ، وقد أكد المستشار زكريا عبد العزيز على أهمية الإشراف القضائي التام على أي انتخابات قادمة قائلا " إما أن يسمح لنا بالإشراف القضائي الكامل غير المنقوص بدءا من استلام كشوف الناخبين وانتهاء بإعلان النتائج أو نُعفى منها " وهو ما صوتت عليه الجمعية العمومية وحيث عُرض عليها ثلاث اختيارات أو ثلاث أسئلة وهي كالتالي السؤال الأول : هل توافق على الإشراف القضائي وفقا لما تم في الانتخابات البرلمانية ؟ السؤال الثاني : هل توافق على الإشراف القضائي الكامل بداية من استلام كشوف الناخبين حتى إعلان النتائج ؟ والسؤال الثالث : عدم الإشراف القضائي على أي انتخابات ؟ وانحازت الأغلبية الكاسحة لأعضاء نادي القضاة على الخيار الثاني وهو الإشراف الكامل . كما رفضت الجمعية العمومية مد سن العمل لرجال القضاء حتى سن ال 70 عاما وهو ما يغلق الباب أمام جيل الشباب في فرص الترقي في السلك القضائي ، وأقرت الجمعية العمومية ثلاث مطالب وأكدت عليها وهي .. الأول " إقرار قانون السلطة القضائية بالصيغة التي أقترحها نادي القضاة والثاني : إقرار ميزانية مستقلة للقضاء وبعيدا عن السلطة التنفيذية ، والثالث : أن يكون أعضاء مجلس القضاء الأعلى بالانتخاب وليس بالتعين كما هو حادث الآن . ألم أقل أن ما جرى من وقائع هذه الجمعية العمومية للنادي والتي شارك فيها لأول مرة ما يقرب من 5 آلاف قاض هو انحياز مطلق من جموع القضاة لتيار الاستقلال ضد تيار السلطة أو " الحكومة " . أعود إلى الجزء الثاني من الحدث التاريخي وهو انتخابات رئيس وأعضاء مجلس إدارة النادي فلقد تصارعت بشكل حقيقي قائمتان الأولى هي قائمة مجلس إدارة النادي الحالي أو قل أغلبيته برئاسة المستشارزكريا عبد العزيز وهم اللذين قادوا معركة الاستقلال للقضاء ، وقائمة أخرى عُرفت بالقائمة الحكومية برئاسة المستشار عادل الشوربجي نائب رئيس محكمة النقض وسكرتير النادي الأسبق ، وكانت هناك قائمة ثالثة برئاسة المستشار إيهاب عبد المطلب قال أصحابها عن أنفسهم أنهم مستقلون وقالت أوساط أخرى أنها نزلت لتفتيت القائمة المستقلة الحقيقية برئاسة المستشار زكريا ، وقد انتهت نتائج هذه الانتخابات بفوز ساحق للمستشار زكريا عبد العزيز برئاسة النادي الذي حصل على 3680 صوتا فيما حصل منافسه المستشار عادل الشوربجي على 930 صوتا فقط والمنافس الثالث المستشار إيهاب عبد المطلب حصل على 89 صوت فقط ، وكذلك فازت كل قائمة الاستقلال لمجلس الإدارة أي قائمة المستشار زكريا عبد العزيز بعدد كبير يقترب من نفس أرقام المستشار زكريا عبد العزيز ماذا تقول هذه النتائج ؟ أهم حقيقة تؤكدها هذه النتائج هو أن تيار الاستقلال في أوساط القضاة ورجال النيابة أوسع وأكبر مما كنا نتصور جميعا . والأمر الثاني أن رياح التغيير التي تهب على مصر نحو التحول الديمقراطي أحد أركانها الأساسية هم رجال القضاء اللذين انحازوا للعدل والإنصاف وحقوق المواطنين بغض النظر عن أي انتماءات سياسية والنتيجة الثالثة أن تصدي القضاة للقضايا العامة غير الحزبية سيستمر لدعم الحريات والتحول الديمقراطي ، وإلا ماذا يعني استقلال كامل للقضاء في مواجهة السلطة التنفيذية ؟ ، وماذا يعني الإصرار على الإشراف الكامل على الانتخابات لتكون بحق نظيفة ونزيه ؟ ، وماذا يعني التصدي للبلطجة والعدوان ومحاسبة المعتدين والمزورين ؟ ، إن كل هذا يعني أن رياح الحرية تهب بقوة على الوطن الجميل " مصر " تفوح منها رائحة الورد والياسمين ( عفواً أقصد رجال القضاء المصري المستقل ) ويسألونك متى هو ؟ قل عسى أن يكون قريبا بإذن الله ،،، E. mail : [email protected]