ما زالت الإعلانات فى القنوات الفضائية بلا رابط ولا ضابط وما زال مسلسل بيع الوهم فى عرض مستمر، ومازال اختراق البيوت عبر شاشات التلفاز وداخل غرف النوم بمنتجات أقل ما توصف بعديمة القيمة والفائدة، فأصحابها يزعمون مقدرتها على علاج الأمراض المستعصية التى عجز الطب عن إيجاد حلٍ لها فهى تعالج السرطان وفيروسات الكبد الوبائى والسكر والضغط المرتفع ويعتمدون اعتمادًا كليًا على الإبهار الإعلامى للمنتج المراد بيعه كما يعتمدون أيضًا على تعلق المريض بأمل الشفاء الذى يأس منه ويعلمون جيدًا طبيعة المرأة فى الحفاظ على رشاقتها وأنوثتها فجاءوا إليها بمنتجات تلبى طلبها، ولأن الثقافة العامة لدى الرجال تقيس فحولة الرجل بقوته الجنسية فوفروا له منتجات لهذا العرض، وكل على حسب مآربه، بالرغم من تحذير وزارة الصحة من خطورة استخدام هذه المنتجات التى تسبب الأمراض الخطيرة خاصة أنها غير مسجلة بوزارة الصحة إلا أن الوزارة لا تستطيع السيطرة على الأمر ولا ندرى ما السبب وحددت أسماء بعض الأدوية التى يتم الإعلان عنها، ومنها منتج يحمل اسم " نوفاريكو" يستخدم فى علاج الدوالى "ونوبين كريم" لا لأم العظام والعمود الفقرى وجميع مشاكل العظام " شاى دكتور مينج" الذى يساعد على التخسيس فى مدة قصيرة جدًا "إيزى كويت" للامتناع عن التدخين " شاينى لوك" لعلاج تساقط الشعر، علاوة على بعض الأدوية التى يدّعون مقدرتها على علاج الضعف الجنسى لدى الرجال والبرود لدى السيدات، والسؤال المهم فى ظل عدم اقتناع عدد كبير من الناس بهذه المنتجات إلا أنهم أول من يشترونها لدرجة تجعلك تظن أن بالأمر شيئًا من السحر لذلك قمنا بسؤال المتخصصين عن مثل هذه الأمور.. فماذا قالوا؟ الدكتورة عزة كريم، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومى للبحوث الجنائى والاجتماعية، قالت: هؤلاء الناس يفهمون جيدًا طبيعة وتركيبة المجتمع، ويعلمون مدى الشغف عند البسطاء، ويعملون على سد وإشباع الاحتياجات الأساسية عندهم، وهذا الشغف عند الناس فى البحث عن معلومة أو إيجاد حل لمشكلة فيقوم هؤلاء بتقديم هذه المعلومة أو الحل فيتلقفونه تلقف الظمآن للماء، ويلغون عقولهم لأنهم يقدمون هذا الحل فى صورة منتج من خلال وسيلة سحرية ومبهرة، وهى التليفزيون لدرجة أن هذه الإعلانات بدأت تركز على الجوانب العامة فى الحياة فقدمت لهم علاجات لأمراضهم المستعصية كالكبد والسكر وفيروس c، بالإضافة إلى المشكلة الأكبر وهى الضعف الجنسى وهذا النوع يجد رواجًا هائلاً ولا سيما بعد أن بلغ الضعف لدى الرجال نسبة لا يستهان بها نتيجة للأوضاع الاقتصادية السيئة ودرجة التلوث العالية كما أن هذا الأمر يعد نوعًا من أنواع التسلية المحببة لدى الإنسان، ولا سيما العاطل منهم الذى يجد فيه تنفيس لرغباته المكبوتة فى ظل الفراغ الذى يعشيه وخطورة الأمر لا تتمثل فى الاستخدام بقدر ما تتمثل فى سهولة الحصول على هذه المنتجات من خلال الإعلان التليفزيونى والذى يتميز بالمبالغة الشديدة ويفتقد لعدم المصداقية والدقة وعند لاستخدام هذه المنتجات لا تؤدى إلى هذه النتيجة التى يتحدث عنها الإعلان. ومما يؤسف له أن هذه المنتجات تباع بالصيدليات كاللاصقة السحرية التي تعالج كثير من الأمراض ومدون عليها مرخص من وزارة الصحة وأنا أرى أن المسئولية تقع على وزارات الصحة والإعلام والصناعة والعدل الذين يقبلون التجارة بنا من هؤلاء والقنوات التى تجنى الأرباح الطائلة من خلال هذه الإعلانات بدون أن تتأكد من مصداقية الإعلان كما أدعو وزارة الصحة إلى أن تتقدم ببلاغ للنائب العام فى حالة وجود إعلان دوائى غير مرخص بالوزارة حماية للناس وكذلك وزارة الصناعة لها دور فاعل فى أن تجبر أصحاب المنتجات الصناعية أن يحصلوا على ترخيص بجودة وسلامة وأمان هذا المنتج قبل عرضه فى إعلان تليفزيونى وأن تضع وزارة العدل نظامًا قانونيًا تكون به عقوبات وغرامات مشددة على ممارسة هذه الإعلانات، وأن يكون هناك تنسيق بين الوزارات المعنية بدلاً من تناقضها وتفككها، وأن يتحمل مجلس الوزراء مسئولية فى حماية المواطن من الغش والسرقة فقد حان الوقت لعمل إدارة مختصة لمراقبة الإعلانات فى وسائل الإعلام المختلفة داخل كل وزارة ومحاولة التصدى لهذه الظاهرة المتوحشة من أجل صحة الناس، ويتفق معها فى الرأى الدكتور صفوت العالم، وكيل كلية الإعلام جامعة القاهرة وأستاذ العلاقات العامة والإعلان، فى المطالبة بسرعة تقنين نشر الإعلانات فى وسائل الإعلام ولا سيما التى لها تأثير دوائى وعلاجى أو مكملات غذائية تؤدى إلى الرجيم أو السمنة، فكيف أن الدول المتقدمة تجرم الإعلانات فى مجالات الصحة والدواء ومصر لا تجرم ذلك؟! ولا سيما أن الدواء له طبيعة موقفية، فالدواء الذى يصلح لى لا يصلح لغيرى، فلا يمكن أبدًا أن تعالج الأمراض المستعصية بهذه التخاريف التى يعلنون عنها فى الوقت الذى عجزت فيه الدول، لابد حماية المستهلك من نوع آخر من الإعلانات التى تعمل على حل مشكلات الزوج والزوجة والتفاصيل المرتبطة بحدود وطبيعة علاقة المرأة بالرجل، والنوع الثالث من الإعلانات والذى يتميز بالدجل كعلاج تأخر الزواج وجلب الرزق بأشياء عجيبة فالكل يلعب على المشكلات الاجتماعية فمنذ عشر سنوات وأنا أطالب بالتشريع فى هذا المجال لأن الإعلان له عمومية التقديم والانتشار فربما ينتفع به القليل ويضر الملايين، كما أطالب بوقفة جادة لمنع هذا الخطر. ويقول عبد الكريم حسن، صاحب أحدى الشركات العاملة فى مجال توزيع الدواء، متأثرًا لقد وقع علينا حذر بالغ من هذه الإعلانات ماديًا وأدبيًا لأنها قامت بتلويث سمعة الدواء المصرى مما أفقد الثقة فيه لدى المريض، ولا سيما أن هذه المنتجات يدعى أصحابها أنها حاصلة على ترخيص من وزارة الصحة علاوة على أن أسعار هذه المنتجات المعلن عنها غالية جدًا مقارنة بسعر الدواء المرخص، ورغم ذلك تجد الإقبال عليها أكثر من الدواء المرخص وربما يعود الأمر لكون الإعلام له بريق وسحر أما الخطورة الأكبر فهى عدم معرفة مصدر هذه المنتجات المجهولة و ما تسببه من أضرار لصحة المريض.