اعتبر محللون سياسيون أن الخطاب الذي ألقاه الرئيس مبارك أمس أمام الجلسة المشتركة لمجلسي الشعب والشورى كان تقليديا ركز على الصياغات اللغوية ، وخلا من أي مبادرة جادة للإصلاح ، فضلا عن تجاهل الخطاب التام للتجاوزات التي شابت الانتخابات البرلمانية الأخيرة . وأشار الدكتور ضياء رشوان الباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام إلى أن الرئيس أنطلق في خطابه من موقع " المحلل السياسي " وليس موقع رئيس الجمهورية الذي بيده اتخاذ القرارات ، وهو ما وضح بشدة عندما لفت الرئيس إلى الايجابيات والسلبيات التي شابت الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، دون أن يتخذ موقفا محددا . وأضاف رشوان أن الرئيس تجاهل الحديث عن الاعتداءات التي تعرض لها رجال القضاء أثناء إشرافهم على الانتخابات من جانب رجال الشرطة ، كما أنه لم يحدد من المسئول عن القتلى الذين سقطوا برصاص قوات الأمن أثناء محاولتهم الإدلاء بأصواتهم . ولفت رشوان إلى أن خطاب مبارك خلا من أي إشارة لإلغاء قانون الطوارئ ، مع أن البرنامج الانتخابي للرئيس تضمن إلغاء قانون الطوارئ واستبعاده بقانون جديد لمكافحة الإرهاب ، وهذا التجاهل يثير علامات استفهام عما إذا كان النظام قد تراجع عن وعده في هذا الشأن . وأوضح ضياء رشوان أن حديث الرئيس اتسم بالعمومية الشديدة عند تطرقه لمشاريع القوانين التي تعتزم الحكومة تقديمها إلى مجلس الشعب خلال الفترة المقبلة ، حتى عند التطرق لقانون السلطة القضائية فإن الحديث تحدث عن المجلس الأعلى للقضاء فقط دون أي إشارة لنادي القضاة ، مع أن النادي هو الذي يتزعم المطالبة بإصدار القانون ، فضلا عن أنه ليس من الواضح ما إذا كان القانون الذي تحدث عنه الرئيس هو نفسه القانون الذي أعده نادي القضاة ومازال حبيسا داخل أدراج المجلس الأعلى للقضاة . لكن رشوان رأى في الخطاب محاولة من النظام لعقد "مهادنة شكلية " مع القضاة ، وهو ما وضح في الإشارة الواضحة التي تضمنها الخطاب هو قانون السلطة القضائية ، لكن الخطاب في المقابل خلا من أي إدانة للاعتداءات التي تعرض لها رجال القضاة خلال إشرافهم على الانتخابات . واعتبر رشوان أن خطاب الرئيس عكس عادة مصرية متأصلة ، وهي أن الحكومة تلجأ دائما للشعب وتمنحه الوعود عندما تكون في حاجة إلى مساندته ، وهو ما حدث بالفعل خلال الانتخابات الرئاسية ، لكنها سرعان ما تتراجع عن هذه الوعود عندما تستعيد زمام الأمور مرة أخرى . من جانبه ، رأى المحلل السياسي الدكتور محمد سيد سعيد نائب رئيس مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن خطاب الرئيس جاء استمرارا للنمط التقليدي الذي درج عليها الرئيس في خطاباته ، والذي يعد امتدادا للخطاب النمطي لثورة يوليو وكافة الأنظمة التي وصلت للحكم عن طريق انقلابات عسكرية . وأوضح سعيد أن الخطاب يكاد يكون مكررا ، بل إنه لو استبدلنا الخطاب بنسخة من الخطابات التي يلقيها الرئيس السوري بشار الأسد أو والده الراحل حافظ الأسد أو حتى الرئيس العراقي السابق صدام حسين ، لما لاحظنا أي اختلاف بين هذه الخطابات جميعا . ولفت سعيد إلى أن الخطاب تجاهل تماما الحديث عن الانتخابات البرلمانية ، مع أن القضاة تعرضوا خلال هذه الانتخابات لاعتداءات على يد رجال الشرطة ، ومن حيث المضمون فإن الخطاب تكلم عن إصلاحات عمومية دون أي تفاصيل ، كما أنه كرر التيمة الرئيسية في خطابات الرئيس والمتمثلة في الحديث عن التوافق الوطني وأننا شعب واحد . واعتبر المحلل السياسي محمد سيد سعيد أن خطاب الرئيس مبارك تضمن بعض التهديدات المبطنة للرئيس مبارك ، عندما أشار إلى أن المعارضة لو أثبتت كذا وكذا ، وهي ما يعني أنه ستكون هناك خطوات عقابية إذا لم تتخذ المعارضة المواقف المطلوبة منها . واستبعد سعيد أن يقدم الرئيس مبارك خلال المرحلة المقبلة على اتخاذ مبادرة جدية للإصلاح ، مشيرا إلى أن مبارك نجح في حكم البلاد بقوة لما يقرب من 25 عاما ونجح في التعامل مع الضغوط سواء الأمريكية أو الداخلية ، وبالتالي فلا يوجد سبب يدفعه لتبني مبادرة جذرية نحو الإصلاح . وحذر سعيد من أن نبرة التعميم التي طغت على خطاب الرئيس قد تكون مقدمة لتكرار سيناريو تعديل المادة 76 من الدستور ، مدللا على ذلك بأن حديث الرئيس عن قانون السلطة القضائية خلا من أي إشارة عما إذا كان المقصود حول مشروع القانون الذي أعده نادي القضاة أم أن الرئيس كان يقصد مشروع قانون أخر تعده الحكومة بنفسها . وكان الرئيس قد أكد في خطابه أنه سبق وأن كلف الحكومة بإعداد مجموعة من التشريعات ، انتهت من بعضها وفي طريقها لاستكمال البعض الآخر. وأشار مبارك إلى أن الدورة البرلمانية الحالية سوف تشهد مناقشة العديد من التشريعات الهامة والتي يأتي في مقدمتها تعديل قانون السلطة القضائية ، والذي تهدف تعديلاته إلى دعم واستقلالية القضاء ، لافتا إلى أن هذه التعديلات تم إرسالها إلى المجلس الأعلى للقضاء . وقال الرئيس إن هناك تعديلات سوف يناقشها مجلس الشعب حول نصوص جرائم النشر والتي تهدف إلى مراجعة العقوبات المقيدة للحريات على نحو يحافظ على التوازن المطلوب بين حرية التعبير والحرمات الخاصة للمواطنين . وأوضح الرئيس أنه تعزيزا للحريات التي كفلها الدستور سوف يحال إلى المجلس أيضا تعديلات قانون الإجراءات الجنائية خاصة فيما يتعلق بالحبس الاحتياطي تحقيقا لضمانات أكثر صونا للحريات . أشار الرئيس إلى إعداد الحكومة لقانون البناء الموحد حتى تكون أحكامه أكثر دقة ومرونة لجذب الاستثمارات ويضع قواعد محددة للتخطيط العمراني بالريف والحضر وصيانة العقارات والحفاظ عليها . وقال إن هناك أيضا مشروع قانون الضرائب العقارية والذي يهدف إلى تخفيض الضريبة أسوة بما تم مع قانون الضرائب على الدخل ، وهناك أيضا مشروع قانون المحاكم الاقتصادية ومشروع قانون حماية المستهلك ومشروع قانون جودة التعليم بهدف الارتقاء بالعملية التعليمية ومستوى المعلم ووضع كادر خاص للأجور لهم. وأكد مبارك أن نجاح البرلمان الجديد بنوابه أغلبية ومعارضة يأتي من خلال تصديه لمشاكل المواطنين وأداء يرقى لمصالح مصر العليا. وأضاف أمامنا العديد من القضايا الهامة والحيوية يجب أن نمضى في وضع الحلول لها ، ويأتي في مقدمتها محاصرة البطالة وجذب المزيد من الاستثمارات وفتح أسواق جديدة وجذب المزيد من السياحة وزيادة الصادرات وتطوير التعليم ودعم المثقفين واحتضان العلماء والارتقاء بمستوى معيشة المواطنين ورفع دخلوهم وما يقدم لهم من خدمات. وأكد مبارك أن برنامجه الرئاسي الذي أعلنه في معركة الانتخابات الرئاسية أصبح برنامجا ملكا للشعب الذي ينتظر جني ثماره وعلينا مواجهة كافة التحديات والعقبات. وتعرض الرئيس مبارك في خطابه للانتخابات البرلمانية الماضية ، مؤكدا أنها انطويت على إيجابيات عديدة ترسخ المزيد من الديمقراطية إلا أنها أيضا كشفت عن سلبيات يتعين الاعتراف بها والاستفادة من دروسها والتعامل معها بحسم ، ونحن نمضي في مرحلة جديدة على طريق الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وأكد أن المرحلة القادمة تتطلب منا جميعا مواصلة الإصلاح السياسي وإتاحة فرص العمل للأجيال ورعاية محدودي الدخل وتحسين مستوى المعيشة والارتقاء بالخدمات الصحية والإسكان والمواصلات وارتفاع دخول الأسر المصرية ورفع معدلات التشغيل وتنفيذ سياسات واقعية قابلة للتنفيذ . وأشار مبارك إلى أن الاقتصاد المصري حقق العديد من النجاحات يأتي في مقدمتها ارتفاع النمو الاقتصادي وزيادة الاستثمارات الأجنبية إلى 4.7 مليار دولار وزيادة الصادرات إلى 38% خلال العام الماضي. وأكد الرئيس مبارك أمام النواب أنه عاقد العزم على تنفيذ برنامجه وتجسيد تطلعات الشعب المصري الذي ينشد اكتمال الديمقراطية ويتطلع إلى برلمان يدافع عن قضاياه .