لم تكد تمر ساعات على تبرئة مجلس النواب الأردني رئيس الديوان الملكي الأسبق باسم عوض الله ورئيس الوزراء السابق معروف البخيت ووزراء ومسئولين كبار حاليين وسابقين من تهم الفساد، إلا وحذر كثيرون من أن الأسوأ مازال بانتظار المملكة، خاصة أن بعض دعوات وتحركات الحراك الشعبي المتواصل هناك منذ عام تجاوزت "الخطوط الحمراء" فيما يتعلق بانتقاد النظام الملكي. وكان مجلس النواب الأردني فشل في ختام جلسة مطولة عقدها في 8 مارس بإحالة عدد من كبار المسئولين السابقين والحاليين على رأسهم عوض الله والبخيت للقضاء بتهم إساءة استعمال السلطة والاختلاس واستثمار الوظيفة في ملف التحقيق بقضية شركة مناجم الفوسفات. وبالنظر إلى أن لجنة تحقيق برلمانية كانت كشفت أن إيرادات شركة مناجم الفوسفات السنوية تتجاوز المليار دولار، بينما جرى بيع 37% من أسهمها عام 2006 بمبلغ 111 مليون دولار فقط ، فقد قوبل القرار السابق باستياء واسع في الشارع الأردني. ولعل ما ضاعف من الغضب في هذا الصدد أن رئيس لجنة التحقيق بملف شركة مناجم الفوسفات أحمد الشقران كان كشف في وقت سابق عن جملة من "المفاجآت" في ملف خصخصة الشركة منها أن حكومة بروناي، التي قالت الحكومة الأردنية إنها باعت 37% من أسهم الشركة لها، لا تملك سهما واحدا، وأن المالك الحقيقي هو شركة تدعى "كامبل هولدينغ" مسجلة في جزيرة غيرسي بالمحيط الهادي. كما كشف الشقران أنه ورغم امتلاك الأردنيين "حكومة ومؤسسات وأفراد " لأكثر من 52% من أسهم الشركة، فإن هذه النسبة لم تجعلهم يأخذون الأغلبية في مجلس إدارة الشركة أو يكون لهم أي شأن في إدارتها، هذا فيما أكد نواب أردنيون أن الشركة انتقلت من ملكية أردنيين إلى ملكية أردنيين آخرين"، في إشارة لمسئولين كبار في الدولة. ويبدو أن الأيام المقبلة ستشهد تصعيدا من قبل الحراك الشعبي على خلفية تبرئة عوض الله والبخيت والتي تتناقض تماما مع دعواته لمكافحة الفساد، ولعل احتجاجات الطفيلة وما تخللها من شعارات ترجح صحة ما سبق. وكانت مدينة الطفيلة "179 كلم جنوب العاصمة عمان" شهدت في 9 مارس مسيرة غاضبة هتفت بقوة ضد النظام ووجهت انتقادات غير مسبوقة للملك عبد الله الثاني وجهاز المخابرات ومجلس النواب. وحملت المسيرة اسم "لا للأحكام العرفية"، وشارك فيها المئات من أبناء الطفيلة ومن حركات شعبية من مختلف أنحاء الأردن، احتجاجا على قرار محكمة أمن الدولة توقيف أربعة من قادة حراك الطفيلة بتهمة إطالة اللسان على الملك عبد الله الثاني خلال احتجاجات سابقة في 5 مارس. شعارات نارية ورفع المشاركون في المسيرة شعارات منها "الشعب يريد إس.. إس.. تربوا وإلا نكملها"، و "يا حسين (ولي العهد الأردني) قول لأبوك (العاهل الأردني) الطفايلة بيحذروك"، و"اضرب واسحل يا ابن حسين هذا كله دين بدين"، و"يا عبد الله يا مليك الإصلاح يبدأ فيك". كما رفعت المسيرة شعارات تنتقد جهاز المخابرات منها "يا فيصل (مدير المخابرات) قول لسيدك إحنا أحرار مش عبيدك"، ورددت أيضا هتافات تهاجم قرار مجلس النواب بتبرئة متهمين بالفساد، بالإضافة إلى هتافات ضد رئيس الديوان الملكي الاسبق باسم عوض الله ورئيس الوزراء السابق معروف البخيت. وفي كلمة ألقاها أمام المسيرة باسم لجنة أحرار الطفيلة، خاطب الناشط محمد الحراسيس النظام الأردني، قائلا:"لن تستطيعوا إعادة عقارب الساعة للوراء لأننا قبرنا الأحكام العرفية في هبة نيسان"، في إشارة للاحتجاجات التي شهدها الأردن في إبريل/نيسان 1989 وأدت لإلغاء الأحكام العرفية وعودة الحياة الديمقراطية للمملكة. ومن جانبه، قال رئيس الدائرة السياسية في جماعة الإخوان المسلمين رحيل غرايبة إن اعتقال الناشطين الأربعة يؤكد أن النظام وأجهزته ورجاله حتى هذه اللحظة لم يقرأوا المشهد قراءة صحيحة وما زالوا ينظرون للأردن والشعب الأردني على أنه "شعب مستغفل". وحذر غرايبة من اعتبار شعار "الشعب يريد إصلاح النظام" وسلمية الحراك الشعبي ينم عن ضعف، قائلا:" إن الأردنيين لن يتوقفوا عن حراكهم حتى يحرروا الأردن وشعبه من هذا الاحتلال، لأن من ينهبون الوطن ويزورون إرادة الشعب هم محتلون في نظر هذا الشعب". كما نقلت قناة "الجزيرة" عن والدة مجدي القبالين، أحد الناشطين الأربعة المعتقلين، القول:" إن هيبة الملك تفرض على الشعب بصدقه وإخلاصه لشعبه وليس من خلال محاكمات باسم إطالة اللسان، الأردن وشركاته ومقدراته جرى بيعها من علي بابا والأربعين حرامي". وعبرت والدة القبالين عن عدم اكتراثها وأمهات المعتقلين لاعتقالهم، وطالبت الشباب الأردني بالالتحاق بالحراك الشعبي، وقالت وسط تصفيق الحضور :"يجب أن يستمر هذا الحراك حتى يتم الإصلاح أو يتغير النظام". وفي السياق ذاته، أكد المحلل السياسي الأردني الدكتور جهاد المحيسن أن ثمة جهات لا تريد الإصلاح وهي مستفيدة من بقاء الوضع على حاله، قائلا على هامش المسيرة :"إن أكثر ما أغضب الناس أن اعتقال المطالبين بالإصلاح جاء متزامنا مع تبرئة المتهمين بالفساد في قضية الفوسفات في مجلس النواب". وبالنظر إلى أن التطورات السابقة تزامنت أيضا مع الاستياء الشعبي المتصاعد إزاء رفع الأسعار، فقد حذر كثيرون من أن يؤدي اتساع الفجوة بين الشارع المطالب بالإصلاح والحكم في الأردن إلى رفع سقف المطالب لتتجاوز "إصلاح النظام" إلى إسقاطه. والخلاصة أن الملك عبد الله الثاني يواجه للمرة الأولى منذ توليه العرش عام 1999 تحديات داخلية غير مسبوقة تهدد في حال عدم معالجتها سريعا بانتقال "الربيع العربي" إلى الأردن.