رغم أن شعارات الحراك الشعبي في الأردن والذي انطلق منذ عام لم تصل إلى حد تهديد عرش الملك عبد الله الثاني ، إلا أن التطورات الأخيرة هناك دفعت كثيرين للتحذير من أن "الربيع العربي" يدق أبواب المملكة أكثر من أي وقت مضى. ففي 11 يناير، اعتقلت قوات الأمن الأردنية ناشطا من حراك مدينة مأدبا بعد أن أقدم على حرق صورة للملك عبد الله الثاني كانت مثبتة على مبنى بلدية المدينة الواقعة على بعد 35 كلم جنوب غرب العاصمة عمان . ونقلت قناة "الجزيرة" عن مصادر في مأدبا القول إن الناشط عدي أبو عيسى اعتلى مبنى البلدية الواقع وسط المدينة وأقدم على حرق الصورة المثبتة هناك، وهدد بإلقاء نفسه من أعلى المبنى، هذا فيما قامت قوات الأمن والدرك باعتقاله واقتياده لجهة غير معلومة. واللافت للانتباه أن الحادث السابق جاء بعد يوم من اعتصام نفذه العشرات من الناشطين أمام الديوان الملكي في 10 يناير للتضامن مع المواطن أحمد المطارنة الذي أقدم على حرق نفسه أمام مبنى الديوان، احتجاجا على أوضاعه الاقتصادية والمعيشية الصعبة. وكان المطارنة توفي متأثرا بجراحه، فيما ذكرت زوجته في تصريحات لوسائل إعلام أردنية أن زوجها كان موظفا بأمانة عمان الكبرى ويتقاضى راتبا لا يتجاوز 150 دولارا، وأنه ينفق على عائلة مكونة من 15 فردا، منهم طالبتان جامعيتان، محملة الجهات الحكومية مسئولية ما آل إليه مصير زوجها. بل وتناقلت وكالات محلية أردنية أيضا في 11 يناير أنباء عن تهديد مواطنين آخرين بحرق أنفسهم، احتجاجا على أوضاعهم المعيشية والاقتصادية، وهي الأخبار التي لم تجد صدى أو ردا من الحكومة، فيما سارعت صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لوصف المطارنة ب "بوعزيزي الأردن"، في إشارة إلى التونسي محمد البوعزيزي الذي أحرق نفسه وفجر شرارة الربيع العربي . ولعل ما ضاعف من التحذيرات من أن الأوضاع في المملكة في طريقها للانفجار في حال لم يسارع الملك والحكومة بخطوات الإصلاح أن الحراك الشعبي في الأردن أحيا في 6 يناير مرور عام على بدايته في جمعة أطلق عليها اسم "جمعة التجديد" . وشهدت ساحة النخيل وسط العاصمة عمان اعتصاما نظمه حراك منطقة ذيبان التي كانت أول منطقة خرجت بمسيرات "الربيع الأردني" في 6 يناير 2011، وشارك فيها ممثلون عن حراك معان والكرك والطفيلة وجرش والحركة الإسلامية وحركات أخرى. ورغم أن المتحدثين في الاعتصام أكدوا سلمية حراكهم وتمسكهم بسقف "إصلاح النظام"، لكنهم وجهوا أيضا رسائل مباشرة للملك عبد الله الثاني، نالت في جزءها الأكبر من جهاز المخابرات الذي اتهمه المتحدثون بالسيطرة على كافة السلطات في البلاد وإعاقة الإصلاح. وقال القيادي في حراك مدينة معان أكرم كريشان في هذا الصدد إنه لا عدو للشعب الأردني وحراكاته السلمية سوى العدو الصهيوني والفساد، مطالبا بمحاكمة مدير المخابرات السابق محمد الرقاد الذي قال إنه أقر بتزوير انتخابات مجلس النواب لعامي 2007 و2010 . ومن جانبه ، قال الدكتور محمد الهواوشة أحد قيادات حراك ذيبان:" على الرغم من ممارسات النظام البائسة لزرع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وممارسات أجهزته الأمنية والبلطجة الرسمية، فإن حراكنا سيستمر سلميا". واعتبر ما قدمه النظام من إصلاحات وتقديم الفاسدين للقضاء بأنه "مسرحيات هزلية"، وانتقد ما اعتبره تحول الأمن في الأردن إلى "أمن العرش الذي ميز بين الأردنيين حسب ولائهم للنظام"، موضحا أن الحكومات باتت موجودة لخدمة النظام ومشاريعه التجارية. وفي رسالة مباشرة للعاهل الأردني، قال الهواوشة :"نوجه كلامنا لرأس النظام بأنك المسئول عن الفساد وأنت المعني بالإصلاح حتى بدأنا نشك أنك إما لا تريد الإصلاح وإما أنك لا تقدر على تحقيقه، نحن مصرون على سلمية حراكنا ولا تجعلنا نشعر أن الإصلاح مكلف أكثر من التغيير". وفي السياق ذاته، شدد رئيس مجلس شورى جبهة العمل الإسلامي علي أبو السكر على مطالب قوى الإصلاح وهي اجتثاث الفساد وإعادة الأجهزة الأمنية وخاصة المخابرات لدورها الدستوري ووقف تغولها على الحياة العامة. كما طالب بتعديلات دستورية تقود لحكومة تشكلها الأغلبية البرلمانية وتحصين مجلس النواب من الحل ومن شراكته مع مجالس تعينها السلطة التنفيذية. ومن جانبه، وجه الناشط في حراك الطفيلة مجدي القبالين انتقادات قاسية لجهاز المخابرات الذي اتهمه بأنه "هو صاحب الأجندات الخارجية ويسعى لخراب الأردن من خلال استفزازه للناس ليصلوا لرفع شعار إسقاط النظام". وبجانب التحذيرات السابقة، فقد رفع المعتصمون شعارات منها "يا نظام افهم السر.. شوف صحابك ولا تنغر" و"شعبي حطم هالقيود.. الحرية بدها تعود"، و"يا نظام ارتاح ارتاح.. ما لك قدرة عالإصلاح". وقبل ذلك وتحديدا في 4 يناير، اتهمت جماعة الإخوان المسلمين الأردنية الجهات الأمنية بقيادة ما وصفتها "حملة مغرضة" ضدها، وحذرت من أن يتسبب الواقع "الذي يضج بالفساد" في تفجير الأوضاع. واستغربت الجماعة في بيان لها ما وصفته ب"شن بعض وسائل الإعلام حملة مغرضة ضد الحركة الإسلامية، وبتوجيه أمني واضح"، قائلة :" هذه الحملة تحاول تشويه صورة الحركة الإسلامية للتغطية على السياسة والإدارة الفاشلة والمتخلفة في التعامل مع الحراك الشعبي"، متهمة الحكومة بأنها تعيد إنتاج مفاهيم وأساليب وتعبيرات ما قبل الربيع العربي. وبصفة عامة ، وإلى حين اتضاح طبيعة التطورات في الأردن خلال الفترة المقبلة ، فإن ما يحذر منه كثيرون أن الحراك الشعبي يرفع سقف شعاراته يوما بعد يوم وقد يصل للمطالبة ب "إسقاط النظام".