ما يتركه الآباء من ميراث جيني لأبنائهم في صورة صفات وراثية، فإن تدخين الأبناء للسجائر يغير ذلك الميراث وذلك بسبب ما يحدث التدخين من طفرات-تحورات mutations غير مرغوبة-في ما تحتويه الخلايا من حامض نووي "دي إن إيه" ومن ثم جيناتها. من المعروف أن هذا الحامض النووي وما به من جينات-الجينوم-في خلية من خلايا الإنسان-ما عدا كرات الدم الحمراء-مكون من حوالي ثلاثة بلايين من أزواج القواعد النيتروجينية والتي نختصرها في الأحرف " "A,G,C,T، لو كُتب ذلك العدد الهائل من الأحرف في مسودة لإتسع حجمها-كما يقول العلماء-بما يعادل تقريباً ثلاثة أضعاف الموسوعة البريطانية بأجزائها الثلاثون. الطفرات التي تحدث في خلايا الُمُدخنين تتم في صورة إستبدال القواعد النيتروجينية بعضها ببعض أو في إذواجها، أو قد يحدث حذف أو تكرار لبعضها، لكن الإستبدال هو الشائع في الخلايا السرطانية في أنسجة المُدخنين خاصة خلايا الرئتين أو بعض الاعضاء الأخري. في دراسة نشرتها مجلة "نيتشر Nature" في عددها الصادر خلال يونية 2016 عن تأثير التدخين علي التغيرات التي تحدث لمحتوي الخلايا من "دي إن إيه" في صورة طفرات، فخلصت النتائج إلي أن تخين خمسة عشرة سيجارة تتسبب عن طفرة الحامض النووي لخلايا الرئة والتي أوضحتها الخريطة الجينية-الطبعة الزرقاء blueprint " في صورة تتابع قواعدها النيتروجينية لتلك للخلايا السرطانية. كما أكد الباحثون أن المواد الكيميائية الموجودة في دخان السجائر يمكن أن تسبب ثلاثة وعشرون ألف طفرة والتي تنتقل إلي الخلايا الوليدة عبر إنقسام الخلايا. المعروف من خلال دراسات سابقة أن أكثر من سبعون مادة كيميائية من أصل سبعة آلاف مادة موجودة في دخان السجائر تسبب-محفزة-للسرطان عن طريق إحداث عطب-تلف-في جينوم الخلايا خاصة الجين الذي يُشفر encode لبروتين يسمي "P53" يقوم هذا البروتين بتثبيط تكوين الأورام tumor suppressor gene، بالإضافة الي أنه يقوم بوظائف عديدة أخري بالخلايا تلك الوظائف سرعان ما تختفي بمجرد حدوث السرطان.
في ذات الموضوع نشرت مجلة العلوم "ساينس Science" خلال هذا الشهر "نوفمبر 2016" دراسة إشتركت فيها العديد من الجهات البحثية من بعض الدول، أوضحت النتائج وجود علاقة مباشرة وطردية بين عدد السجائر الذي يقوم الأفراد بتدخينها وعدد الطفرات التي تحدث في خلايا الأورام بين المدخنين، والتي أظهرتها التغييرات التي حدثت في ترتيب القواعد النيتروجينية sequence في "دي إن إيه" لخلايا السرطان، وخلصت الدراسة أن تدخين علبة سجائر يوميا لمدة عام ً يؤدي إلي صور مختلفة من الطفرات في أعضاء الحسم بين المدخنين، مثلاً أثبتت النتائج حدوث مائة وخمسون طفرة في خلايا الرئة وسبعة وتسعون طفرة في الحنجرة وثلاثة وعشرون طفرة في الفم وثمانية في المثانة واخيراُ ستة طفرات في الكبد.
أكد فريق البحث أنه يوجد ستون محفز للسرطان علي الأقل في دخان السجائر في صورة طفرات، وأنه كلما زاد عدد الطفرات كلما إرتفعت فرصة حدوث الطفرات في الجينات الرئيسية-المفتاح Key genes"" والتي بدورها تحول الخلايا العادية الي سرطانية، حيث أن دخان السجائر يعجل من سرعة إنقسام الخلايا بصورة كبيرة.
أوضحت الدراسة أنه بالإمكان وضع إستراتيجيات للوقاية من الطفرات التي تحدث في الخلايا السرطانية بتأثير التدخين من خلال كشف النقاب عن آلية تطور السرطان في مراحله المختلفة، هذا بالإضافة إلي أنه يمكن أن يتم تطبيق تلك الإستراتيجيات علي أنواع أخري للسرطان خاصة الناجمة عن السمنة obesity. يُذكر أنه وطبقاً للإحصائيات الحديثة فإن حولي ستة ملايين من ابشر يموتون سنوياً جراء أمراض مرتبطة بالتدخين، وحسب ما ذكرته منظمة الصحة العالمية "WHO " فإن عدد الوفيات خلال هذا القرن من تأثير التدخين بليون-مليار-فرد من البشر.