يمكن التعبير عن مكونات أى مجتمع بعدة طرق، ويتوقف تصنيف المجتمع على الغرض منه.. فيمكن تقسيم المجتمع إلى عدة أقاليم، إذا كان الهدف التخطيط للتنمية، أما إذا كان الهدف من التصنيف هو تمثيل المجتمع فى عملية وضع الدستور، فلا يمكن اعتبار الأقاليم الجغرافية معيارا لتصنيف المجتمع، فكل إقليم ليس له رؤية سياسية واحدة.. وبنفس هذا المعنى، لا يمكن تمثيل المجتمع فى اللجنة التأسيسية على أساس التوزيع الجغرافى، لأنه ليس تصنيفا سياسيا، بل يجب تمثيل المجتمع من خلال تمثيل التيارات المجتمعية والسياسية المختلفة فى اللجنة التأسيسية، حتى تكون معبرة سياسيًا عن المجتمع المصرى.. ولكن الرؤى التى تطرحها بعض القوى الليبرالية والعلمانية أو أغلبها، تدور حول فكرة تمثيل المجتمع باعتباره مجموعة من الطوائف.. فمعظم المقترحات التى تقدمها النخب الليبرالية والعلمانية، تدور حول تقسيم المجتمع إلى طوائف، مثل الرجل والمرأة والكبار والشباب وأصحاب المهن المختلفة وأصحاب الحرف والعمال والفلاحين وأصحاب الأديان المختلفة.. وهذا التقسيم يحول المجتمع إلى مجموعة من الطوائف المهنية والاقتصادية والاجتماعية والدينية، وكأن هذه الطوائف لها رؤى سياسية مشتركة، أى كأنها طوائف سياسية، وليست فقط طوائف أو مجموعات مهنية واقتصادية واجتماعية ودينية. والناظر إلى ما حدث فى العراق بعد الاحتلال الأمريكى، يجد أن قوات الاحتلال قسمت العراق إلى طوائف، وعملت على جعل تلك الطوائف ذات طبيعة سياسية دينية اجتماعية، وهو ما أدى إلى تقسيم المجتمع العراقى وتفكيكه. فتحول طوائف المجتمع المختلفة، والتى تتشكل على أسس مادية، أى على المهنة والطبيعة البيولوجية والمستوى الاقتصادى، يؤدى إلى تشكل المجتمع فى صورة فئات جامعة مانعة، فكل من ينتمى لفئة لا يمكن أن ينتمى لفئة أخرى فى نفس الوقت، مثل طبقات المهن والمستوى الاقتصادى والنوع والعرق والدين، وغيرها.. وتلك التصنيفات تجعل من المجتمع وكأنه تجميع لعدة فئات ذات أسس منفصلة عن بعضها البعض، مما يساعد على تشكل الطبيعة الطائفية المادية للمجتمع، والتى تحوله إلى مجموعات غير مترابطة.. وما يحدث فى مصر من النخب العلمانية والليبرالية يشابه هذا الوضع، فالنظر للمجتمع باعتباره مكوناً من رجال ونساء، يؤدى إلى تعميق الطبيعة الطائفية المادية، وهكذا بالنسبة للمهن والأعراق والنوع.. ولكن الواقع يؤكد أن هذه التصنيفات لا تمثل تيارات سياسية، ففى داخل أى فئة يمكن أن نجد العديد من التيارات السياسية، مما يعنى أن أى ممثل لمهنة معينة لا يمثل تيارا سياسيا أو تيارا مجتمعيا معينا، بل يمثل عدة تيارات.. ومحاولة جعل كل مهنة وكأنها تيار سياسى، على غير الحقيقة، هى فى الواقع محاولة لتفكيك التيارات المجتمعية السياسية فى المجتمع. لذا نرى أن فكرة تمثيل المجتمع باعتباره طوائف فى اللجنة التأسيسية، هى محاولة لتفكيك تيارات المجتمع الرئيسة، مما يجعل اللجنة التأسيسية مفتتة، بصورة تجعلها لا تمثل المجتمع، وتسمح بإهدار حق المجتمع فى أن تكون اللجنة ممثلة لتياراته السياسية والمجتمعية.