فى مطار باريس وقف نيكولاى ساركوزى رئيس جمهورية فرنسا يستقبل صحفييْن فرنسييْن جريحيْن تم تهريبهما من مدينة "حِمص" السورية المحتلة إلى لبنان ومن ثم إلى باريس. وقفة الرئيس الفرنسى لاستقبال اثنين من المواطنين الفرنسيين العاديين تصنع مفارقة مع موقف الرئيس بشار الأسد المرفوض من مواطنى شعبه الذى يتجاوز عشرين مليونًا؛ فالأول يحافظ على كرامة أقل مواطن فى بلاده، ويحرص على كرامته وسلامته داخل فرنسا وخارجها، ولو كان فى بلاد الواق واق!، مُصيبًا أو مخطئًا، بريئًا أو مذنبًا، حتى يؤمِّن له حياته ووجوده، وقبل ذلك كرامته، والرئيس المرفوض شعبيًّا بشار يحرص على سفح دماء شعبه، وقتل كل مَن تسوّل له نفسه الإعلان عن رفض حكمه الطائفى المستبد الغَشوم، والتعامل مع الجماعات والمدن والقرى الثائرة على حكمه الدموى بالمدرعات والمدفعية والدبابات والطائرات، مع الحصار الذى يمنع الماء والغذاء والدواء، وترك الجرحى والمصابين ينزفون حتى الموت! الرئيس الطائفى المرفوض شعبيًّا حاصر حى بابا عمرو فى مدينة حمص الشجاعة لمدة سبعة وعشرين يومًا، أحكم فيها الحصار على المواطنين البسطاء، وظل يقصف الحى وسكانه بكل وسائل الدمار التى يملكها جيش المقاومة والممانعة(!)، حتى استطاع آخر الأمر أن يحتل الحى بعد انسحاب المقاومين المدافعين عن حياة الناس، ثم تجرى مفاوضات بين الصليب الأحمر والجيش السورى البطل (!) لإدخال الأدوية وإخلاء الجرحى والمصابين، ونقْلهم إلى المستشفيات للإسعاف والعلاج. بعض الناس يتصوَّر أن هذا الصراع مجرد صراع بين حاكم مستبد فاشيّ يملك من أجهزة القمع والدمار ما يدعم به حكمه الإجرامى الظالم، ولكن الحقيقة تكشف أنه حكم طائفى مجرم لا يتغيَّا مصلحة شعب، ولا مستقبل أمة، فلا هو حريص على أن يواجه العدو التاريخى للأمة، ولا هو معنى ببناء وطن.. إنه مشغول بتثبيت حكم الطائفة النصيرية التى تسمى خطأً (علوية)، وتمثل أقل من عشرة فى المائة لإذلال الأغلبية السُّنّية وقهْرها، وتحويلها إلى خدم وعبيد، ولا بأس أن يستخدم مع أعوانه وأنصاره فى لبنان وبعض البلاد العربية، حكاية المقاومة والممانعة؛ ليضحك على الناس، ويحاول إقناعهم بأنه يدافع عن الأمة العربية، ويحرر جزءًا محتلاً من سورية اسمه "الجولان"، مضى على احتلاله أكثر من أربعين عامًا، ويسعى لمساعدة الشعب الفِلَسطينى المظلوم، الذى طُرد من أرضه، وتعبئتها بغرباء لا يستحقونها. مَن يقرأ التاريخ يجد أن الطائفة النصيرية (العلوية) التى تحكم سورية الآن خانت الأمة العربية الإسلامية فى زمن الحروب الصليبية، وفى أثناء غزو التتار للعالم الإسلامى، وقامت بالانحياز للعدو الفاجر، وتخلّت عن شعبها وأمتها، مما دفع الإمام ابن تيمية إلى محاربة جموعها، ومعاقبتهم على خيانتهم ومساعدتهم للغزاة، ولم يكتفِ بذلك، بل أصدر رسالتين مهمتين تكشفان خيانة الطائفة، وفساد معتقداتها الدينية، وعدم انتمائها إلى الشيعة أو العلويين (المنتسبين إلى الإمام على بن أبى طالب)، ويصل إلى تكفيرهم بصراحة ووضوح، مع الدعوة إلى الحذر منهم ومقاتلتهم كلما جنحوا إلى الخيانة أو القتال. وفى التاريخ الحديث انحازت الطائفة الخائنة إلى المستعمرين الفرنسيين، فأقامت لهم فرنسا عام 1920 دولة العلويين، إلى جانب دُويلات أخرى لبعض الطوائف الخائنة فى لبنان. وفى حرب 1967م، انسحب وزير الدفاع السورى النصيرى حافظ الأسد، الذى صار رئيسًا للجمهورية السورية بانقلاب عسكرى باسم حزب البعث من هضبة الجولان قبل سقوطها بأربع وعشرين ساعة، وكان من الممكن الدفاع عنها بكتيبة مشاة نظرًا لطبيعتها الجغرافية، كما أخبرنى اللواء الركن العراقى محمود شيت خطّاب، يرحمه الله، وقيل يومئذ إن الأسد حصل على مبلغ تافه نظير انسحابه وخيانته للأمة وللوطن! وتكرر الأمر نفسه فى حرب رمضان (أكتوبر 1973)؛ مما أثَّر فى الجيش المصرى فى سِيناء، وأنتج ما عُرف بالثغرة فى منطقة السويس! إن بشار الأسد يعيد إنتاج المرحلة الصليبية بالخيانة والجريمة، وأظنه لن يتجاوب مع كوفى عنان أو الجامعة العربية أو الأممالمتحدة، ولكنه سيتجاوب مع طرف واحد فقط، هو الشعب السورى المسلم الذى سيقاوم الحرب الطائفية بكل ما يستطيع، وسيهزم منطق القوة والخيانة، ولا أظنه - بعد أن أسقط الخوف - سيركع أمام المدرعات والدبابات التى يقودها الطائفيون النصيريون الخونة، ولن يصدق الناس مزاعم الشيخ حسن نصر الله، الذى كشف عن وجهه الطائفى، حين كرر الأُسطوانة المشروخة عن المقاومة والممانعة، فالنظام الذى ينتج الحروب الصليبية باع سورية منذ زمان إلى السادة اليهود الغزاة، وهو ما أفصح عنه النصيرى رامى مخلوف ابن خال بشار الأسد، وقد فصَّلته فى مكان آخر، ولم يطلق ولن يطلق رَصاصة واحدة فى الجولان المحتل.. لسبب بسيط وهو أنه قبض الثمن! يمكن القول إن الحكومات التى تحترم كرامة مواطنيها مثلما فعل نيكولاى ساركوزى، تنتصر دائمًا ولو كانت كافرة ، أما الحكومات التى تهدر كرامة مواطنيها، وتسحق وجودهم المعنوى والمادى فلن تنتصر أبدًا ، ولو جلستْ فى المسجد الأُموى وجاءت بالمنشدين فى المولد النبوى، ورفعت الشيخ "البوطى" على المِنبر؛ ليكذب على الله ورسوله والمؤمنين، ومعذرةً يا بابا عمرو؛ فقد تآمر عليك العالم وكثير من الحكام العرب وحسن نصر الله وبعض القوميين فى بلادنا!