في تأكيد جديد على أن دعوات الحكومة الليبية المتكررة للثوار السابقين للانضمام لوزارتي الدفاع والداخلية أو العودة إلى الحياة المدنية لن تتحقق بسهولة على أرض الواقع، أعلن قائد ثوار طرابلس عبد الله ناكر صراحة في 27 فبراير أنه لن يستجيب لطلب حل الميليشيات لأن الحوافز المعروضة عليهم ليست سخية بدرجة كافية. وقال ناكر في تصريحات للتليفزيون الليبي إن مقاتليه لن ينضموا إلى المبادرة الحكومية إلى أن يعلموا بوضوح ما هي المزايا التي سيحصلون عليها، مطالبا بمنازل وسيارات وقروض بدون فوائد لرجاله حتى يمكنهم تحقيق أحلامهم. وأضاف" الثوار السابقون يحتاجون إلى رواتب أعلى واستقرار اقتصادي وتأمين طبي ومنازل وسيارات والرجال العزاب منهم يريدون الزواج، إنهم يريدون أيضا قروضا بدون فوائد حتى يمكنهم أن يعيشوا عيشة كريمة، لماذا لا تقدم لهم الحكومة قروضا قيمتها 100 ألف دينار ليبي (60 ألف دولار) حتى يحققوا أحلامهم". وكشف ناكر أنه يوجد 20 ألف رجل تحت قيادته وأنه سيشكل حزبا جديدا للمنافسة في أول انتخابات تجرى في البلاد في يونيو المقبل لانتخاب المؤتمر الوطني التأسيسي" البرلمان". وفي تعليقه على التحدي الذي يواجهه من قبل رئيس المجلس العسكري لطرابلس عبد الحكيم بلحاج، وهو مقاتل إسلامي سابق وقائد ميليشيا منافسة في العاصمة طرابلس، قال ناكر إنه يقبل المنافسة الشريفة التي تضمن فوز الفريق الأفضل، لكنه لن يتسامح إزاء المنافسة غير الشريفة التي تدعمها أموال أجنبية. وكان ناكر اتهم في وقت سابق منافسه بلحاج الذي أعلن مؤخرا أنه يخطط لتشكيل حركة سياسية بأنه وكيل لدول خليجية تحاول التأثير على اتجاه ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي. ورغم أن ناكر وبلحاج حاربا سويا لإنهاء حكم معمر القذافي الذي استمر 42 عاما، لكنهما سرعان ما دخلا في نزاع للسيطرة على العاصمة طرابلس، ومازالت وحداتها المدججة بالسلاح تجوب الشوارع ولا تستجيب إلا لأوامرهما وتستهين بسلطة الحكام الجدد للبلاد. ولعل ما يضاعف المخاطر المحدقة بثورة 17 فبراير أن الأمر لم يقتصر على عزوف ميليشيات الثوار السابقين عن حل نفسها وسعيها لترجمة قوتها العسكرية إلى سلطة ونفوذ في ليبيا الجديدة، وإنما تزامن ذلك أيضا مع استفحال الفساد ونهب المال العام، وتفاقم الصراعات المناطقية والقبائلية، وضعف المجلس الوطني الانتقالي وفشله بالتالي في السيطرة على معظم أنحاء البلاد. ولعل تضارب الروايات حول فضيحة تهريب بشير صالح مدير مكتب العقيد الراحل معمر القذافي إلى باريس تكشف بوضوح أن من يملك المال والسلاح في ليبيا الجديدة يستطيع أن يفعل ما يشاء، فالمال أوصل بشير إلى باريس دون أي مساءلة، والسلاح هو الذي يحكم حاليا معظم المدن الليبية، ويقرر مصير البلاد. وكان إبراهيم المدني أحد قادة الثوار السابقين نفي في تصريحات له في 27 مايو صخة ما ذكره رئيس المجلس الوطني الانتقالي مصطفى عبد الجليل حول تورطه في تهريب بشير صالح، مؤكدا في الوقت ذاته أن عبد الجليل هو من أمر بإخلاء سبيل صالح وسمح له بمغادرة البلاد. وأضاف المدني أنه جاءه اتصال من عضو المجلس الانتقالي الليبي محمود شمام طالبه فيه بأن يقول إن كتيبته ألقت القبض على بشير صالح ثم أفرجت عنه، إلا أنه رفض هذا الأمر، مشيرا إلى أن صالح كان سلم نفسه للثوار طواعية وأن الثورة لم تقم للكذب على الناس وخداعهم، على حد تعبيره. وتابع" سمعنا الشائعات التي ظهرت مؤخرا بأن إبراهيم المدني أفرج عن بشير صالح، ثم نتفاجأ بالتصريح الذي قدمه عبد الجليل بأنه لاعلم له بسفر صالح لباريس، هذا الكلام غير صحيح، أنا أدعو عبد الجليل إلى مؤتمر صحفي على طاولة مع بعضنا ونتكلم بكل شفافية لكي يعلم الشعب الليبي حقيقة الأمر، وأنا بصفتي قائد كتيبة اللواء محمد المدني أنفي نفياً قاطعا ما صرح به رئيس المجلس الانتقالي في هذا الموضوع، هناك مبالغ دخلت إلى ليبيا عن طريق بشير صالح وساعدت على تهريبه". واستغرب المدني تخيير الثوار بين وزارتي الدفاع والداخلية، وتسأل "هل لايوجد في البلاد غير وزارتي الدفاع والداخلية ، هناك العديد من الوزارات التي يستطيع الثوار أن ينضموا لها الآن، من يقوم بالواجب هم الثوار، لا يوجد أي شيء قامت بها أي وزارة من الوزارات، الثوار من جميع أنحاء ليبيا هم من يقوم بتأمين الحقول النفطية وتأمين الحدود وهم الذين نراهم في الشوارع يحرسون وبمجهوداتهم الذاتية نحن نريد أن ننهض بالدولة سوياً ولا نريد أن يزايد أحد على أحد". وعلقت صحيفة "القدس العربي" اللندنية على تصريحات المدني السابقة، قائلة:" بشير صالح كان كاتم أسرار القذافي الشخصية قبل السياسية وتعرض فعلا إلى الاعتقال من قبل كتائب الزنتان، وتدخل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي للإفراج عنه، وأرسل طائرة خاصة إلى تونس نقلته إلى باريس معززا مكرما لأنه يشرف على استثمارات وودائع مالية هائلة يقدرها البعض بأكثر من عشرة مليارات دولار مستثمرة في إفريقيا وفي أسواق مالية في العديد من المصارف الأوروبية والسويسرية خاصة". وتابعت الصحيفة في تقرير لها" الأخطر من ذلك أن بشير صالح يريد العودة إلى الحياة السياسية ولكن من بوابة كتائب ثوار الزنتان، حيث استطاع أن يعزز علاقات قادة تلك الكتائب مع فرنسا، بالإضافة إلى مساعدتهم في تأسيس حزب سياسي يخوض الانتخابات القادمة". واختتمت قائلة:" أموال الشعب الليبي تنهب في وضح النهار، وأمنه واستقراره أصبحا في مهب الريح، وضعف مجلسه الوطني يزداد يوما بعد يوم، ولا توجد قيادة بديلة قادرة على قيادة السفينة إلى بر الأمان، كما أن أصدقاء ليبيا تبخروا وأداروا ظهرهم كليا بعد أن اطمأنوا إلى استمرار تدفق النفط وعوائده إلى جيوبهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، الشعب الليبي هو الضحية، ضحية الأصدقاء مثلما هو ضحية من خطفوا ثورته، وتاجروا بحاضره ومن ثم مستقبله، ولذا نعتقد أن ليبيا بحاجة إلى ثورة ثانية". والخلاصة أن المخاطر التي تهدد ثورة 17 فبراير تزداد يوما بعد يوم، ولذا لا بديل عن توحد الثوار مجددا خلف هدف بناء ليبيا الجديدة ، بعيدا عن المصالح الشخصية الضيقة.