استغرقنا الوقت فى الحديث عن "المرشحين"، من منظور "عاطفى"، وربما تورطنا فى الاحتكام إلى منطق "الكاريزما".. وإلى "الأيديولوجيا".. والعصبية التنظيمية.. وكأننا لا نزال نراوح "دولة الرئيس" ولم نغادرها إلى "دولة المؤسسات". فكرة الرئيس "الفرد".. و"أنا الدولة"، ما انفكت تحرك المشاعر العامة.. بل إن بعض الإعلاميين يتحدث الآن عن اختيار الرئيس.. بذات النزعة التى كانت تنزل كلامه منزلة "الوحى".. و"نحنحته" منزلة النبوءة".. وأنه صانع المستقبل "وحده لا شريك له"! أشهد الله أنى أخلصت النصيحة، فى سلسلة مقالاتى الأخيرة، ولعل البعض لا يعرف أننا نحتفظ بعلاقات طيبة بعدد من المرشحين المحتملين للرئاسة.. نحبهم ونجلهم ولكن حبنا وإجلالنا للحق أكبر.. وما كتبته كان فى سياق نقد "الأداء" واستشرافًا لمستقبل المقعد الرئاسى.. فيما كنت واعيًا بأنه ليس من المهم أن أنتصر لهذا المرشح أو لذاك.. ولكن الأهم هو أن تنتصر الديمقراطية. هذه هى القيمة التى مازالت غائبة عن الضمير الوطنى المصرى.. نحن نملك الإسلام.. ولكننا لا نملك بعد "الديمقراطية".. هذه "القيمة" كانت حاضرة فى الأيام البكر من الثورة.. حيث اختفت الشعارات "الإسلامية" رغم حضور الإسلاميين وتحملهم مسئولية الحفاظ على وهج الثورة وعافيتها وحمايتها يوم "الجمل".. فيما حضرت الشعارات المطالبة بالحرية وبالعدالة الاجتماعية وبالديمقراطية.. لم نطالب بما نملكه "الإسلام".. وطالبنا بما لا نملكه وهى "الديمقراطية. مصر اليوم تحتاج إلى الرئيس "الديمقراطى" وليس "الإسلامى".. لم يعد ثمة جدل أو سؤال عن الهوية.. فكل التيارات السياسية ليس بوسعها إلا أن تقر بالفحوى الحضارى والثقافى للهوية الوطنية المصرية، وقوامها الأساسى هى "العروبة والإسلام".. هذه باتت حقيقة مسلمة لا تصنعها "النصوص" المكتوبة فى الدساتير.. وإنما محفورة فى الصدور والقلوب والوجدان والضمير الوطنى العام.. كثوابت أقرتها حقائق التاريخ والجغرافيا.. ليست "هبة" أو "منحة" وإنما "حق" لا يقبل المساومات أو المواءمات أو التفاوض بشأنه الآن أو فى المستقبل. العصبية "الأيديولوجية".. مثل "العصبية القبلية"، تعود بنا إلى مرحلة ما قبل الدولة.. ومصر الآن فى مرحلة التحول وولوج عهد "الحداثة السياسية".. وأربأ بالإسلاميين أن يكونوا القاطرة التى تسوق البلاد إلى مثل "العودة" وتحيلنا إلى قبائل سياسية لا يميزها عن القبائل البدوية إلا حمل الأعلام والشعارات ووضع "لوجو" الأحزاب السياسية. لا نريد أن يزايد أحد على المسلمين المصريين.. نحن جميعا وكما قلت فيما تقدم نملك "الإسلام" ولا نملك "الديمقراطية".. وقد أعجبنى أبو الفتوح والعوا حين قالا إن "الحرية" مقدمة على تطبيق "الشريعة".. ليس تقليلا من عظم قدر الأخيرة، وإنما نزولا عند وعى "فقه الأولويات" كما أصله العلامة الكبير الدكتور يوسف القرضاوى متعه الله بالصحة وطول العمر. [email protected]