برلمانيون: نصر أكتوبر عبور التاريخ نحو المستقبل وتحديات الجمهورية الجديدة    الوكيل: نجاح تركيب مصيدة قلب مفاعل الوحدة النووية الثالثة بمحطة الضبعة    إشادات من أهالي الإسماعيلية بمبادرة حياة كريمة: وفرت اللحوم بأسعار مخفضة    القمح وفول الصويا والسكر الخام في صدارة الواردات الغذائية خلال أسبوع    عضو مجلس الشيوخ: 10 سنوات من التنمية والعمران حولت سيناء لأرض الأحلام    تعرف علي سعر الذهب بحلول التعاملات المسائية اليوم    وزير الإسكان يتابع سير العمل بمشروع "مارينا 8" جنوب مركز مارينا العلمين    وزيرة التخطيط تشهد إطلاق دليل الحلول والممارسات الناجحة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة    تونس: 14.16% نسبة الإقبال على المشاركة بالانتخابات الرئاسية حتى الآن    التشكيل - مرموش أساسي مع فرانكفورت.. ومولر يقود هجوم بايرن ميونيخ    فكري صالح يطالب بإلغاء الترتيب بين حراس منتخب مصر    «مش أول مرة».. مصدر أمني ينفي الرسائل المسربة عن أوضاع نزلاء مراكز الإصلاح والتأهيل    نتنياهو: تلقينا ضربة قوية قبل عام وعملنا خلال السنة الماضية على تغيير الواقع    قبل انطلاقه غدًا، تفاصيل حفل جوائز الموسيقى الأمريكية    3 أبراج فلكية «الحظ هيلعب معاها» بعد 13 أكتوبر 2024    "الصحة" تطلق حملات للكشف المبكر وعلاج أمراض البلهارسيا والطفيليات المعوية لطلاب المدارس    إيران: نعمل على الاستعداد لجميع السيناريوهات بشأن الهجوم الإسرائيلي    سوريا:غارة جوية إسرائيلية استهدفت 3 سيارات تحمل مواد طبية وإغاثية    خبير استراتيجي: الحق لا يرجع بالتفاوض فقط.. يجب وجود القوة    أحد أبطال حرب أكتوبر: القوات المسلحة انتهجت أسلوبا علميا في الإعداد لحرب أكتوبر المجيدة    جلسة تصوير للتونسى محمد علي بن حمودة أحدث صفقات غزل المحلة.. صور    أكاديمية البحث العلمي تعلن إنتاج أصناف جديدة من بعض الخضراوات    إصابة سيدة وابنتها في انهيار حائط منزل ببني سويف    بسبب ركنة.. راقصة تستعين ببلطجية لتحطيم سيارات بالمقطم    مطعم صبحي كابر .. لغز غلقه يحير المواطنين وتساؤلات عن مالكه الجديد    محمد الرميحي: انتصار أكتوبر تحقق نتيجة التخطيط الحكيم من القيادة السياسية والعسكرية    حزب الله يشن هجومًا بالمسيرات على قاعدة إسرائيلية جنوب حيفا    برايتون ضد توتنهام.. السبيرز بالقوة الضاربة فى الدورى الإنجليزى    برفقة زوجها.. ريم سامي في أحدث ظهور والجمهور يغازلها    محمد ثروت: حرب أكتوبر نقطة فاصلة وتحول فى حياتنا كلنا كمصريين وأمة عربية    «الحياة» تحتفل بنصر أكتوبر بأيام السادات والاختيار والرصاصة لا تزال في جيبي    الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال دمَّر 611 مسجدا كلّيًا بغزة واقتحم الأقصى 262 مرة خلال عام    «أبوك الثاني».. عمر الساعي ينشر رسالة خاصة مؤثرة مع الراحل إيهاب جلال    وسط حضور جماهيري كبير.. المركز القومي لثقافة الطفل يحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر    ضمن مبادرة «بداية».. مناقشات أدبية وورش للموهوبين في الرسم بطنطا    تذكار الميلاد الخامس والثمانين للأنبا رويس الأسقف العام    عمار حمدي: كنت أتمنى العودة ل الأهلي.. وأحب جماهير الزمالك    الحوار الوطني يُحيي ذكرى أبطال حرب أكتوبر المجيدة     الأرصاد تكشف حالة الطقس في مصر غدا الاثنين 7 أكتوبر 2024    القاهرة الإخبارية: الطواقم الإغاثية تمكنت من انتشال أكثر من 30 شهيدا من غزة    استشاري تغذية: الأسس الغذائية للاعبي كرة القدم مفتاح الأداء الرياضي    الوادي الجديد.. تنظيم قافلة طبية لمدة يومين في قرية بولاق بمركز الخارجة    وزير الصحة: حملة 100 يوم صحة قدمت أكثر من 105 ملايين خدمة مجانية خلال 66 يوما    "39 صفقة ب 26 وكيل".. الكشف عن تفاصيل مكاملة أمير توفيق ومحمود الخطيب بسبب أزمة تصريحات قندوسي    دعاء الذنب المتكرر.. «اللهم عاملنا بما أنت أهله»    غرق طالبين وإنقاذ ثالث بأحد الشواطئ بالبرلس فى كفر الشيخ    الداخلية تقدم تسهيلات للحالات الإنسانية بالجوازات    اتحاد الكرة يحيي ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة ويهنئ الرئيس السيسي    قائمة أفضل بداية لمدربي برشلونة في القرن ال 21.. فليك رابعًا    إدارة الموسيقات العسكرية تشارك فى إقامة حفل لأطفال مؤسسة مستشفى سرطان 57357    "مزمار الشيطان في بيت رسول الله".. رمضان عبد المعز يوضح: ماذا رد النبي يوم النصر؟    ضبط 3 عصابات و167 سلاحا وتنفيذ 84 ألف حكم خلال يوم    متصلة: خطيبي بيغير من الشحات في الشارع؟.. وأمين الفتوى يرد    تشاهدون اليوم.. مواجهات قوية للمحترفين في الدوريات الأوروبية    «الإفتاء» توضح.. هل يجوز الأكل على ورق جرائد به آيات من القرآن؟    رسميًا.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه اليوم الأحد 6 أكتوبر 2024 بالتزامن مع إجازة البنوك    نص كلمة الرئيس السيسي بمناسبة ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة    تفسير آية | تعرف على معنى كلمات «سورة الفلق»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مبادرة تنمية أمة
نشر في المصريون يوم 21 - 02 - 2012

بعيدًا عن الصخب الإعلامى، والدخول فى مجادلات لفظية، تشتت أكثر مما تجمع، وتهدم أكثر مما تبنى، اجتمع نفر من العلماء المتخصصين المخلصين فى فندق سونسيتا، بمدينة نصر، هذا الأسبوع، ليتفاكروا سويًا فى أنجع السبل التى يمكن أن تدفع بالأمة إلى آفاق نهضة علمية وتقنية، وتبث دماء صحة وعافية فى عروق هذه الأمة، فى زمن لم يعد التحارب فيه بالمدفع والصاروخ، والدبابة والطائرة، بقدر ما هو التدافع بقوة المعرفة وسلاح التقنية، وفاعلية الإعمار، واستهداف خير الإنسان، وبناء حضارة مأمولة.
ويقف وراء هذا الجهد، مناضل علمى ومجتهد فكرى، هو الأخ الفاضل الدكتور محمود عاكف، فضلا عن علماء آخرين لا أذكر معظمهم مع الأسف الشديد، لكن يحضرنى من هذه الكوكبة، الدكاترة: سيد دسوقى حسن، أستاذ هندسة الطيران بجامعة القاهرة، ومحمد دهيم، أستاذ الهندسة بجامعة أسيوط، وحامد الموصلى، أستاذ بهندسة عين شمس، ومحمد الحملاوى، أستاذ الهندسة بجامعة الأزهر، فضلا عن كاتب هذه السطور، لبعض الوقت.
كان الواضح أن التخصص الغالب هو "الهندسة"، مما كاد يشعرنى فى البداية بقدر من الغُربة المعرفية والعلمية، لكن سرعان ما زالت هذه المشاعر الأولية تدريجيا، حيث إن هناك ما أقوى من التخصص العلمى جمعنا جميعًا، ألا وهو المرجعية الإسلامية، والرغبة العارمة فى المواجهة العلمية الجادة لهموم هذه الأمة.
وفضلا عن ذلك، فكما قلت أمام بعض الإخوة، إنهم إذا كانوا متخصصين فى الهندسة المادية، فإن صاحب هذه السطور، متخصص فى الهندسة البشرية (التربية)، إذا صح هذا التشبيه.
لم يكن العدد كبيرًا، حيث لم يتجاوز، على وجه التقريب عشرين عالمًا مما أتاح الفرصة لمناقشات جادة وطرح أفكار بناءة.
كان من الأفكار التى طرحت، حتى يمكن توجيه وتفعيل البحث العلمى والتكنولوجيا لنهضة الأمة الإسلامية، أن يسعى هذا البحث العلمى وتلك التكنولوجيا إلى عمل خريطة لإمكانات العالم الإسلامى، مما يكون ضروريًا للنهوض العلمى والتقنى.
ومن ذلك أيضا أن يكون هناك حرص على أن تتم الأنشطة بنزعة تنحو نحو التكامل والتآزر، لا التنافس والتحارب.
وكذلك أن يكون البحث العلمى والتقدم التقنى مرتبطين بالقاطرة الاقتصادية.
وأيضا أن توضع أولويات لكل دولة على حدة، ثم للأمة كلها.
وتم تأكيد على أن تستهدف الخطة مشروعات واقعية، لا تحلق فى أجواء تنبعث من طموح مبالغ، ربما ينتهى إلى إخفاق.
ومثل هذه الأهداف، وهناك غيرها، هى مما يعين الأمة على أن تحقق ما هو منوط بالإنسان أن يكون خليفة الله على الأرض، عن طريق "الإعمار"، وهو المصطلح الأنسب لثقافة الأمة لما يتم تداوله من مصطلحات تتصل بالتنمية، حيث إنه مصطلح شامل متكامل، لا قسمة فيه بين تنمية اقتصادية، وأخرى اجتماعية.. وهكذا.
وكان من الأفكار المطروحة، أنه مع التقدير الكبير لحاجة الأمة إلى إنشاء كيانات ضخمة للإعمار والنهوض الحضارى، لكن المشكلة هنا ضرورة أن نتنبه أن الأمة "مراقبة" من قبل أعدائها الذين يريدونها تحت سيطرتهم دائما، مما يكون دافعًا لعرقلة مثل هذه المشروعات وتدميرها، بشتى الطرق، ومن ثم يصبح الأفضل، ونحن فى مرحلة استضعاف، أن نعمد إلى ما سماه الدكتور سيد دسوقى "المشروعات المبثوثة"، أى كيانات صغيرة، تنتشر فى كل مكان، حتى إذا أثبتت فاعليتها، وأصبح لها تواجد واستمرارية، يمكن لبعضها أن يتوحد فى كيانات أكبر.
ومن الأفكار التى طرحت، من حيث إكساب التفكير العلمى والتقنى روح الإسلام، ونحن نفكر فى المشكلة البيئية، أن نشيع نزعة "الزهد"، فى معناها الصحى السليم، حيث إن الحضارة الغربية الحديثة، تدفع الإنسان إلى أن يلهث وراء الاستهلاك، ولما كان ذلك يخلق العديد من المشكلات البيئية، يفكرون فى مشروعات وخطط للمحافظة على التزايد المستمر للنزعة الاستهلاكية، وكأنهم يقولون للإنسان: استهلك كما تحب، فنحن نسعى دائما لإزالة ما يترتب على هذا التزايد الاستهلاكى من مشكلات بيئية!
كذلك طرح ضرورة التأكيد على أننا بحاجة إلى مشروعات كثيفة العمالة، لما هو معروف من أن البلدان الإسلامية، تعيش أعلى معدلات الإنجاب، وهى من ثم كثيرة السكان، وفى الوقت نفسه، تعانى من بطالة واضحة خانقة.
وبالإضافة إلى ذلك، ففى الفترة الحالية، نحن فى حاجة إلى أن تكون المشروعات التى نفكر فيها، سريعة الأجل، حتى تضخ زيادات عاجلة فى الدخل القومى، ودخول الأفراد. ومما هو متوقع أن الناس عندما يرون نتائج قريبة المنال، يتشجعون، ويغمرهم الأمل والشعور بالثقة، فيقبلون أكثر على المزيد من مشروعات الإعمار.
لكن هذا وذاك بحاجة إلى سياسات حاكمة تضبط حركة إيقاع المشروعات المختلفة، فتشجع هذا وتنسق بين هذا وذاك، وتمد بعض المشروعات بما هو بحاجة إليه من مال، وتسهيلات وتشريعات، وضبط حركة التنافس، ومراقبة ما يتشابه من إنتاج المشروعات الوطنية، مما يأتى عن طريق الاستيراد من منتجات أجنبية.
ومن التشبيهات الطريفة، مما يمكن تطبيقه على مشروعات البحث العلمى والتطور التقنى، أنه يشبه العربة التى تجرها خيول، لكن المشكلة تكمن فى اتجاه الخيول، فإذا كانت من أمام، تتشارك فى الاتجاه، سرّعت من مسيرة السيارة، لكن الخيول لو تفرقت من أمام ومن خلف، ومن يمين ويسار، فسوف تتعطل حركة السير، بل وتتعرض للفشل الذريع!!
وكان مما أسهمتُ به، من الزاوية التى أهتم بها، هى أن المشتغلين بكل من البحث العلمى والتكنولوجيا، هم نتاج "مصنع التعليم العالى"، وبالتالى، وجب أن يُنظر بعين الاعتبار إلى ما يوجد فى هذا المصنع البشرى من صور عوار، قد لا تتيح إنتاج الكفاءات العلمية بالمواصفات التى نضمن معها أن تسير بكفاءة واقتدار عجلة البحث العلمى.
فنحن نلاحظ، ومنذ سنوات غير قليلة، إقبالا على التخصص الأدبى فى الثانوى العامة، وانصرافًا عن التخصص العلمى، مما شرحناه فى مرات سابقة، وانعكس هذا على عدد طلاب الكليات الإنسانية التى أصبحت تستحوذ على ما يزيد على 70% من مجموع طلاب الجامعات المصرية، وبالتالى فإن الكليات التطبيقية (هندسة، وطب وصيدلة، وغيرها) لا تستحوذ إلا على ما يقل عن 30% منهم.
ومن ذلك أيضا أن الجزء الأكبر من موازنة الجامعات يذهب إلى الإنفاق الجارى، الذى يتمثل فى المرتبات والأجور، ومن ثم فإن المصرف الاستثمارى، وعمليات البحث العلمى، لا يبقى لها إلا الفتات من المخصصات المالية.
وعند النظر فى المجتمع الجامعى، نجد أن عدد الموظفين الإداريين والعمال والفنيين، يكاد يفوق عدد أعضاء هيئة التدريس، وهو الأمر النادر حدوثه فى الكثرة الغالبة فى جامعات العالم.
ومن ذلك، ما عليه الجامعات المصرية من "تنميط"، بحجة مراعاة تكافؤ الفرص، بمعنى أن هناك تماثلا شديدًا بين كليات الآداب فى كل الجامعات، والشىء مثله فى كليات الطب، والهندسة، وغير هذه وتلك، وتخضع الجامعات كلها للمجلس الأعلى للجامعات الذى يقولب الجامعات كلها فى قوالب واحدة، مما يفقدها القدرة على التنافس والتفرد والتميز، وهو الأمر المغاير للنهج الاقتصادى القائم على تشجيع المنافسات، التى تفتح الباب واسعًا للابتكار والتجديد والتحديث.
ويعانى التعليم الجامعى من وقوع مؤسف فى براثن الظلم التربوى، بحيث أصبح يتسم بانحياز طبقى يتزايد شيئًا فشيئًا، والحديث فى هذا يطول، لو حاولنا شرحه، لكن يكفى أن نشير إلى أن افتقاد الخدمة التعليمية الجيدة فى المدارس الحكومية، فتح السبيل إلى انتشار سرطانى للتعليم الخاص، الذى وصلت مصروفات بعض مدارسه إلى بضع عشرات الألوف من الجنيهات، مما يتيح الفرصة لشرائح طبقية بعينها للالتحاق بالكليات التى تسمى كليات القمة (طب، هندسة، صيدلة، علوم سياسية..).
أضف إلى هذا وذاك، ما يتكاثر الآن من صور تعليم جامعى بمصروفات باهظة، يضيف قوى متميزة اجتماعية أخرى إلى طلاب الجامعات.
ومن هنا فإن كثرة ممن يتخرجون فى الكليات التطبيقية، الأكثر صلة بالعلم والتكنولوجيا، هم موصولون أكثر بالثقافة الغربية، ضعيفو الصلة بالثقافة العربية الإسلامية، مما يفتح الباب واسعًا لأن يتبنوا الخيارات الغربية فى تحديد الأولويات فى المشروعات الإنتاجية والخدمية المراد إنشاؤها فى مصر.
وكمثال لذلك يكفى أن نعرف أن الطالب الذى يلتحق بجامعة مثل جامعة النيل، يدفع ما يزيد على الخمسين ألفًا من الجنيهات، فأبناء من هم الذين سوف يتاح لهم هذا، خاصة إذا عرفنا، أنهم وأمثالهم من خريجى الجامعة الأمريكية، والجامعات الأجنبية فى مصر، هم الذين تتاح لهم الفرصة الأسرع، والأكثر دفعا، من الوظائف المرموقة، وبالتالى فإن عجلة القيادة الاقتصادية تؤول فى النهاية إلى مثل هذه الشرائح الاجتماعية؟!
وأخيرا، فإن المطلع على مستويات البطالة فى مصر، سوف يذهله أن يعلم أن أكثر الفئات معاناة من البطالة، هم خريجو الجامعات، وأن أقلهم معاناة من البطالة هم الأميون، وتفسير ذلك ربما يحتاج منا إلى مقال آخر، ويكفى الإشارة إلى أن هذا يعنى ضعف الصلة بين الإعداد الجامعى وعالم العمل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.