رغم محاولة الرئيس على عبد الله صالح والحراك الجنوبي وجماعة الحوثي الشيعية المتمردة عرقلة انتخابات الرئاسة اليمنية المقررة في 21 فبراير, إلا أن تدخل الوسطاء الخليجيين والدوليين بقوة حال دون تحقيق ذلك. ففي 19 فبراير, وصل المبعوث الأممي إلى اليمن جمال بن عمر إلى صنعاء لبحث التحضيرات الأخيرة لانتخابات الرئاسة التي تجرى وفقا للمبادرة الخليجية التي تخلى بموجبها الرئيس علي عبد الله صالح عن السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي, الذي تقرر أن يخوض الانتخابات مرشحا وحيدا توافقيا للحزب الحاكم والمعارضة. وتحدث بن عمر في مؤتمر صحفي عن حدث تاريخي مهم سيكون بداية لمرحلة جديدة في اليمن, فيما أصدر السفراء الخليجيين والأوروبيين في صنعاء بيانا أكدوا فيه تقديم كافة أشكال الدعم لإنجاح انتخابات الرئاسة بل وتعهد الاتحاد الأوروبي بإرسال 9.2 ملايين دولار لدعم العملية الانتخابية، وحشد بعثة خبراء مستقلين لمراقبتها, كما أعلنت حكومة الوفاق الوطني في اليمن برئاسة المعارض محمد سالم باسندوة عن قيام مائة ألف جندي بتأمين الاقتراع وحماية الناخبين من أية هجمات محتملة. ورغم أن الرئيس علي عبد الله صالح, الذي يتلقي العلاج في الولاياتالمتحدة, ألمح أكثر من مرة إلى احتمال عودته لليمن قبل انتخابات الرئاسة, إلا أن وكالة "رويترز" نقلت عن مسئول أمريكي تأكيده بقاء صالح في أمريكا إلى ما بعد الاقتراع. كما أكد مسئول يمني رفيع في تصريحات لقناة "الجزيرة" أن صالح سيحضر حفل تنصيب الرئيس التوافقي الجديد عبد ربه منصور هادي لتسليمه مقاليد السلطة رسميا, لكنه لن يعود إلى اليمن قبل الاقتراع. وفيما يؤكد كثيرون أن صالح ما زال يمسك بخيوط اللعبة من وراء الستار بسبب استمرار أعوانه في مراكزهم, إلا أن هناك اصرارا أمريكيا فيما يبدو على إنجاح مهمة الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي, حيث نقلت "رويترز" عن مسئول أمريكي رفيع القول إن كل شيء يشير إلى أن هادي بعد تنصيبه سيواصل التعاون مع واشنطن في "الحرب على الإرهاب". فمعروف أن صالح طالما قدم نفسه للغرب والولاياتالمتحدة على أنه الوحيد القادر على محاربة تنظيم القاعدة في اليمن, وكان يعول كثيرا على تزايد نفوذ التنظيم في المحافظات الجنوبية للالتفاف على المبادرة الخليجية وإجهاض اتفاق نقل السلطة, إلا أنه تناسى حقيقة هامة, وهي أن واشنطن تبيع حلفائها في حال تأكدت من ضعف موقفهم. ورغم أن الرئيس التوافقي الجديد عبد ربه منصور هادي الذي تستهدف انتخابات 21 فبراير إضفاء الشرعية عليه لرئاسة مرحلة انتقالية لسنتين، يصاغ خلالهما دستور ونظام انتخابي جديدان، وتنظيم انتخابات تشريعية, طالما نظر إليه لسنوات طويلة على أنه الحليف الوثيق الذي لا يخرج عن طوع صالح, إلا أن مواقفه منذ تسلمه السلطة من صالح في أعقاب توقيع المبادرة الخليجية أواخر العام الماضي ترجح أنه سيسعى لمحو تلك الصورة, خاصة أنه بات مدعوما بقوة خليجيا ودوليا. ففي 7 يناير الماضي, ذكرت صحيفة "الخليج" الإماراتية أن نائب الرئيس اليمني القائم بأعمال الرئاسة عبد ربه منصور هادي هدد بمغادرة صنعاء إذا استمرت تدخلات صالح ورموز نظامه في الصلاحيات الممنوحة له بموجب المبادرة الخليجية. وتابعت الصحيفة أن هادي أبلغ الوسطاء الخليجيين والدوليين بتدخلات في صلاحياته من قبل صالح ورموز النظام السابق، في مسعى لتعطيل تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية وإعاقة مهمة حكومة التوافق الوطني. وبجانب موقفه السابق, فقد جاءت تصريحات عبد ربه منصور هادي وهو يقدم برنامجه الانتخابي في 7 فبراير لتؤكد أنه مصمم على إنجاح مهمته, حيث تعهد بإجراء حوار مع كل الأحزاب دون خطوط حمراء، بالإضافة إلى اعتزامه عقد مؤتمر وطني عقب الانتخابات لا يستثني أحدا في البلاد، قائلا :" لن تكون هناك أي من الخطوط الحمراء على أي من القضايا التي يراد طرحها، وفي طليعتها القضية الجنوبية وكذا أيضا مشكلة صعدة، والتعاطي مع مطالب الشباب الذين رموا حجرا ضخما في مياه ظلت راكدة أمدا طويلا". وخلال خطاب ألقاه أمام ممثلي المعارضة والحزب الحاكم وسفراء الدول الكبرى ودول مجلس التعاون الخليجي في كلية الشرطة بصنعاء لعرض برنامجه الانتخابي، اعتبر هادي أن الانتخابات الرئاسية المقررة في 21 فبراير هي المخرج الأمثل من الأزمة السياسية التي كانت ستجر البلاد إلى الحرب الأهلية. وتوقع أن تكون هناك "أياما حرجة" بعد الانتخابات، لكنه أعرب عن ثقته في القدرة على تخطيها، مشيرا إلى ما سماه التصميم الإقليمي والدولي على متابعة مساندة اليمن للوصول إلى بر الأمان. والخلاصة أن الثورة اليمنية التي انطلقت في 11 فبراير 2011 حققت أول أهدافها وهو الإطاحة برأس النظام, ويبقى الأمل معقودا على نجاح الرئيس الجديد عبد ربه منصور هادي في تجاوز تحديات المرحلة الانتقالية بعد تنحي صالح رسميا في أعقاب انتخابات 21 فبراير