كمال حبيب نستقبل والعالم عام جديد ونودع عاماً مضي ، ولاشك أن عام 2005 م كان عاماً مهماً في التاريخ المصري السياسي ، ففيه شهدت مصر لأول مرة في تاريخها سقوط المحرمات السياسية ، وخرجت مظاهرات كفاية تتحدي نظام الحكم وتعلن رغبتها في التغيير ، وفي هذا العام خرج الإخوان لأول مرة بعد عام 1954 م في مظاهرات بالشارع المصري تعلن التحدي وتعلن معه استقبال الجماعة لمرحلة تحول جديدة في تاريخها ، وفي هذا العام عدل الدستور المصري ( م 76 م ) ورغم أننا نرفض تماما الصيغة التي تم بها التعديل والاجراءات المريضة التي صاحبته ولكنه كان الثغرة التي أعطتنا مؤشراً علي أن النظام السياسي في حالة تراجع أمام مطالب الشعب بالتغيير ومن ثم أصبح لدينا فرصة سياسية ممكنة لتعبر الشعوب عن إرادتها ورغبتها . وفي العام 2005 جرت أول انتخابات رئاسية تعددية تنافس فيها مع مبارك أكثر من عشرة متنافسين ، كان أكثرهم جرأة وتحدياً لمبارك " هو " أيمن نور " الشاب الذي أرسي لأول مرة تقاليد للتنافس السياسي الحقيقي علي منصب الرئيس وليس التنافس الشكلي ، لقد طرح نفسه كبديل حقيقي لمبارك وليس بديلاً بشروط النظام ، لم يقبل أن يكون البديل الذي يلعب وفق قواعد اللعبة التي يحددها منافسه وهو هنا رئيس الدولة المصرية بكل جبروتها وتقاليدها الفرعونية ، لقد أرسي مبدأً مهما في الحياة السياسية المصرية هو ما أسميه " أنسنة الفرعون " أي تقريب صورة من يحكم مصر إلي الناس وتقديمه كبشر يمكن منافسته وطرح برنامج أمامه بل والقول إن البديل أقوي وأقدر علي إدارة البلاد من القائم ، كان د . أيمن نور يقول " لست أفضل مصريا ً يترشح للرئاسة ولكني أفضل المتنافسين المرشحين علي منصب الرئاسة بما في ذلك الرئيس مبارك نفسه " . عام 2005 كان ثورة حقيقية في مصر ولكنها ثورة ذات طابع رمزي ، انهارت فيها كما عبرنا في العديد من مقالاتنا وأطروحاتنا هنا في هذه الزاوية – كثير من الحجب والمفاهيم والأفكار التي كانت حوائط في أفكارنا حول كثير من المعاني التي تمارس علي أساسها الحياة السياسية . خرجت كفاية وأعلن المصري صوته عاليا " كفاية .. كفاية .. استبداد .. كفاية 25 سنة من نظام لم يعد قادراً علي أن يطرح جديدا في الحياة السياسية ، أعلن الإنسان المصري أنه يرفض التوريث وأنه إنسان حر ليس ملكا أو متاعاً لأحد مهما كان يبيع ويشتري فيه ويورثه . في عام 2005 م شهدت مصر أول انتخابات برلمانية يخرج فيها المواطن المصري إلي لجان الانتخابات مناضلاً متحدياً لحزب شاخ ممثلوه علي كراسي السلطة وأصبح عنواناًً للاستبداد والفساد وسقوط المعني والقيمة والقانون في الحياة السياسية ، وكان صوت المواطن المصري هو الذي هزم ممثلو الحزب الوطني في الانتخابات ، وعاقب الحزب والمستقلين الذين انضموا إليه بعد ذلك فكان لدينا برلمان شهد أكبر نسبة تغيير في تاريخ البرلمانات المصرية ، وفي هذه الانتخابات كان هناك شهداء استشهدوا برصاص الشرطة من أجل أن يعبر عن رأيهم ويدلوا بصوتهم في الانتخابات ، كان هناك وعي بقيمة الإنسان المصري واكتشافه لذاته . في عام 2005 م كانت انتفاضة القضاة علي التزوير ورفض المشاركة في جرائم الحزب الوطني الذي اعتاد علي اغتيال إرادة الناس والجماهير ، ورفض قضاة مصر العظام أن يرضخوا أو يساوموا أو يكون ساكتاً أخرس ، فهم أبدا ً طليعة الحق وضمير الأمة والناس والجماهير ، كانت وقفة القضاة في الانتخابات مشرفة وكريمة ولا ننسي هنا المستشارة " الزيني " التي أعلنت بضمير القاضي أنها بريئة من التزوير وأدلت بشهادة تكتب بحروف من نور ، وفي عام 2005 فاز الإخوان بأكبر تمثيل سياسي لهم في كل تاريخهم تحت شعار " الإسلام هو الحل " ، وأصبح الحل الإسلامي هو مستقبل الجماهير والأمة كلها . وفي عام 2005 أصدرنا جريدة " المصريون " كتعبير عن مشاركتنا في بناء الحدث وصناعته وإيماننا بحق المواطن المصري في المعرفة واستطاعت الجريدة أن تثبت وجودها بما فاق توقعاتنا بكثير ، ويقف من ورائها كتيبة مناضلة من المصريين الحقيقيين تناضل في ظروف قاسية وصعبة من أجل إخراج الجريدة يوميا حافلة بالخبر الجديد والمتابعة المهنية العالية والمقال الجرئ ، والمصريون هي تعبير عن روح الصحوة التي عمت مصر ، ولم يكن ممكنا لنا أن نقف بعيداً عن المشاركة ، وربما لا يعرف الكثيرون أن صحيفة " المصريون " هي جهد مستقل كامل يدفع ضريبته القائمون عليها من جهدهم وعرقهم وأموالهم وقوت أولادهم وهم يفعلون ذلك برضي وطمأنينة وثقة واستقلال عن كل التيارات وهذا سر قوة الجريدة فهي صوت للجميع يكتب فيها كل الاتجاهات ،ونأمل أن تكون الصحيفة تعبيراً عن تيار حقيقي في الفكر والثقافة وفي التوجه في الشارع المصري ذاته . إننا نودع عاما كان حافلا ونستقبل عاما جديدا نرجو أن تشهد مصر وينال المصريون حقوقهم بما يليق بهم وبما يستحقون . [email protected]