كشف مقال لصحيفة وول ستريت جورنال عن تجربة لمواطن مصرى يدعى كمال أمام أحد المتاجر الصغيرة بالقاهرة ليبيع الحقائب و"شنط" اليد، لكنه يسلم كذلك لبعض زبائنه دولارات أمريكية كانت مخبأة في أكياس بلاستيكية بعد الاتفاق معهم هاتفيًا على السعر. وأضاف المقال الذى نشرته الصحيفة تحت عنوان "بينما تعاني مصر، تبزغ السوق السوداء للدولارات"، البائع من العمر 45 عامًا يمثل جزءًا من سوق سوداء تزدهر فى الدولة الشمال أفريقية، في وقت تجف فيه مصادر العملة الصعبة التقليدية المتمثلة في الاستثمار والسياحة. وبالرغم من محاولات السلطات شن حملة مشددة، إلا أن السوق السوداء تعد بمثابة "صنبور" مهم للدولار واليورو لشراء أشياء أساسية كالدواء والقمح. وبينما تقوم مصر بعملة ترشيد للعملة، وتضع حدا أقصى للسحب، تتحول الشركات الصغيرة والكبيرة إلى السوق السوداء لتلبية احتياجاتها من العملة الصعبة. كمال جلال، مدير العلاقات الاستثمارية في "حديد عز" قال إن الشركة باعتبارها أكبر منتج للحديد في مصر يجب أن تحصل على عملتها الصعبة عبر ما سماه ب "السوق الموازية". وتابع: "لقد بات الأمر يشكل عبئا ثقيلا عندما يحين موعد المدفوعات". مصر، ركيزة المنطقة في الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، تمر بمرحلة معاناة، حيث انخفضت الاستثمارات الأجنبية إلى ما دون مستويات الثاني من العقد الأول للقرن الحالي، بحسب وكالة تصنيف مودي. وفي ذات الأثناء، يشهد قطاع السياحة تراجعا حادا منذ انتفاضة الربيع العربي عام 2011 جراء عدم التيقن السياسي. الهجمات الإرهابية في الشهور الأخيرة تسببت في مزيد من التراجع. ومنذ الربيع العربي، تراجع الاحتياطي الأجنبي بمقدار النصف ليصبح حوالي 15.5 مليار دولار أواخر يوليو الماضي واتجهت مصر في شهر أغسطس إلى صندوق النقد الدولي من أجل الحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار على مدى 3 سنوات. وتخوض القاهرة مناقشات مع وكالات أخرى بينها البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي للحصول على أموال إضافية للمساعدة على سد فجوة التمويل التي تقدرها السلطات بنحو 21 مليار دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة. أيضا، في هذا الشهر، قال صندوق لأبو ظبي للتنمية إنه أودع مليار دولار في البنك المركزي المصري لدعم الأوضاع المالية والعملة للدولة الشرق أوسطية. هذا ويتوقع أن ينمو الاقتصاد المصري بنسبة 4 % هذا العام بحسب البنك الدولي، لكنها نسبة غير كافية بالنسبة لدولة لامس فيها معدل التضخم حاجز 14 % الشهر الماضي، كما بلغت نسبة البطالة رقما مؤلفا من خانتين، بحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. وكان تقرير لصندوق النقد الدولي في أبريل الماضي قد توقع انخفاض نسبة التضخم هذا العام إلى 9.6 %، مقارنة ب 11 % العام الماضي. وأضافت الإحصائيات أن عدد السائحين الذين وصلوا مصر في يوليو أقل بنسبة 42 % عن نفس الفترة من العام الماضي. وبحسب إحصائيات رسمية، فقد تراجعت أعداد السائحين بنسبة 50 % منذ إسقاط الطائرة الروسية على شبه جزيرة سيناء بتفجير إرهابي في أكتوبر، ومقتل 224 شخصا كانوا على متنها. المساعدات النقدية الطارئة ساهمت بالكاد في تخفيض نسبة انحدار الجنيه المصري مقابل الدولار. بعض التجار الأسبوع الماضي كانوا يعرضون شراء الدولار بسعر 12.3 جنيها، أي حوالي 40 % أكثر من سعره الرسمي 8.88 الذي ثبته البنك المركزي منذ آخر تخفيض للجنيه في مارس الماضي. وفي نفس الوقت، كان التجار يبيعون الدولار مقابل 12.7 جنيها مصريا. بيد أن التراجع المستمر في قيمة الجنيه يعزي إلى أن العديد من الاقتصاديين والمصريين العاديين ما زالوا يتشككون في قدرة الحكومة على تحقيق أهدافها المالية وتنفيذ إصلاحات صعبة. واشار المقال الى اعتراف الرئيس عبد الفتاح بصعوبة تنفيذ إصلاحات لإحداث تحول اقتصادي. ونقل المقال قول السيسي: "حجم التحديات فوق التصور، ومسؤولية مواجهتها لا تقع فقط على عاتقي، لكنها مسؤولية جميع المصريين. مستقبل مصر على المحك"، بحسب حوار أجراه الرئيس مع الصحف القومية هذا الشهر. وفي الشهور الأخيرة، أغلقت السلطات المصرية العشرات من شركات الصرافة لتخفيف الضغط على العملة. كما وافقت الحكومة أيضا على فرض أحكام بالحبس، وغرامات أكبر ضد المخالفين لقواعد العملة الأجنبية. بيد أن تجار العملة الذين أجبروا على الاتجاه "تحت الأرض" ما زالوا يمثلون قسطا جوهريا فيما يخص الدولار. واستطرد كمال، بائع الحقائب: "الأمر يشبه تجارة المخدرات، كثير من المخاطرة، لكن مع تحقيق أرباح جيدة". وتستهدف الحكومة جمع 21 مليار دولار إجمالية خلال السنوات الثلاث المقبلة، لكن محللين بوكالة فيتش للتنصيف قالو هذا الشهر إن احتياجات مصر السنوية المالية قد تقترب من 10 مليار دولار سنويا. كما تحتاج مصر تقديم إجراءات يرجح أن يقابلها مقاومة من الطبقتين الفقيرة والمتوسطة في الدولة البالغ تعدادها 90 مليون نسمة. وعندما أبرمت مصر اتفاقا مبدئيا مع صندوق النقد، وافقت على خفض الديون الحكومية، وتقديم ضريبة القيمة المضافة، والحد من دعوم الطاقة، والتحرك نحو سعر صرف مرن. بلال خان، الاقتصادي البارز في شؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وباكستان بمؤسسة Standard Chartered Bank علق قائلا: "نعتقد أن هذه الإجراءات ستزيد بشكل ملحوظ من التكلفة السياسية للإصلاح، وهكذا نتوقع للوضع الاجتماعي الاقتصادي في مصر أن يتزايد سوءا قبل التحسن". مخاطر إضعاف العملة، وتقليص الدعوم، والإصلاحات الضريبية تتضمن زيادة نسبة التضخم، واحتمال حدوث ارتفاع في سعر الفائدة، وبالتالي زيادة تكلفة الاستيراد، ووضع حمل متزايد على كاهل المصريين الذين يعانون أصلا من صعوبة التأقلم مع حالة الركود. ونقلت وول ستريت جورنال عن هاني أحمد، البواب بإحدى عمارات المعادي والمتزوج ولديه ابنان قوله : "لا أستطيع تصور كيف سيمكننا إدارة أمورنا لا سيما في ظل حالة الغلاء التي لامست بالفعل كل شيء". القلة التي تستفيد من هذا المناخ الملئ بالتحديات تتضمن شخصا مثل كمال، بائع الحقائب وتاجر السوق السوداء الذي أكد اعتزامه الاستفادة من أزمة السوق السوداء أطول فترة ممكنة. واختتم المقال بقول هانى: "بعد كل شيء، هم يحتاجونني، وأنا أحتاجهم".