بعد محاولة الانقلاب الفاشلة بتركيا الشهر الماضي, الذي كان المتهم الرئيسي فيها حركة كولين, التي أدت إلى اشتعال صراع مرير في قلب السياسة التركية, تجري حاليًا عملية تطهير هائلة للقضاء تماما علي كل أنصار الحركة المشتبه بهم في كافة مؤسسات الدولة التركية. وتساءلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن مدى جدوى عمليات التطهير التي تنفذها السلطات التركية ضد أنصار فتح الله كولن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة الشهر الماضي، لطردهم من مختلف مؤسسات الدولة، خاصة مع تغلغل الحركة في كافة مفاصل الدولة. ونقلت الصحيفة في تقرير نشرته اليوم الأحد عن باحث تركي قوله: "الناس تدرك أنه يمكن التخلص من أردوغان عن طريق صناديق الاقتراع، ولكن كيف يمكن التخلص من كولن؟". وقالت الصحيفة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أصبح خلال نحو عقد ونصف في السلطة الزعيم الأكثر تأثيرا في الجمهورية التركية منذ رحيل مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك. أضافت أنه منذ سنوات فقط، كان هناك تحالف تكتيكي ضد العدو القديم المؤسسة العلمانية الراسخة في تركيا- لكن التفاهم بين المعسكرين انهار في نهاية المطاف، وتحول إلى السعي نحو السلطة، وهو ما ظهر على السطح في محاولة انقلاب 15 يوليو، من فصيل في الجيش التركي، وقتل خلالها نحو 270 شخصا خلال 12 ساعة، بما في ذلك 24 من مدبري الانقلاب.
الآن تجري عملية تطهير هائلة لأنصار حركة كولن المشتبه بهم في كافة مؤسسات الدولة التركية. واحتشد الكثير من الشعب التركي، وأحزاب المعارضة الرئيسية حول الحكومة رغم اختلافاتهم، وأصبح كولن وأنصاره كبش فداء. منذ وقت ليس ببعيد، كان لقيادات تركيا وجهة نظر مختلفة جدًا. في مايو 2012، ألقى وزير المالية التركي محاضرة لمدة ساعة في "منظمة الأديان" ومقرها واشنطن تتبنى تعاليم كولن، وتجاذب مع الوزير "محمد سيمسك" طرف الحديث حول اقتصاد بلاده، وكانت نبرة الحديث أن الحوار بين الأصدقاء. سيمسك، حاليا نائب رئيس الوزراء وهاجم كولن بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، الوزير ليس وحده، بل أدانت مجموعة من المسؤولين في حزب العدالة والتنمية الحاكم الذي تعاون في الماضي مع حركة كولن. حركة كولن فضلت أن تنفذ انقلابها الشهر الماضي، وتبدأ من أنقرة، خاصة بعدما اكتشفوا أن خطط الحكومة لطردهم من مناصبهم في الجيش. ولقد شبه سياسي حزب العدالة والتنمية كولن بأسامة بن لادن، وآية الله الخميني؛ رجل الدين الذي كان في المنفى وعاد إلى طهران في اللحظة المناسبة لتأسيس جمهورية، ثيوقراطية ( حكم رجال الدين). كولن وأنصاره في الخارج ينفون بشدة تورطهم في المحاولة الانقلابية الفاشلة، مستشهدين بالماضي غير البعيد. وتساءل "سوجي أكارسيسما" رئيس تحرير إحدى الصحف التركية، لماذا دعم أردوغان حركة كولن بشدة قبل بضع سنوات؟ منذ 2013، التنافس بين حزب العدالة والتنمية حركة كولن ظهر بقوة في السياسة التركية، نفذت الحكومة عمليات تطهير واتخذت إجراءات على نطاق صغير ضد أنصار الحركة، بما في ذلك صحيفة "زمان"، وغيرها.
ويقول زعماء حزب العدالة والتنمية حاليا إنهم كانوا مخدوعين من حليفهم القديم. عندما جاء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002، كان الحزب غريبا عن السياسة، وعلى خلاف مع الجيش والمؤسسة العلمانية التي ترفض منذ فترة طويلة الإسلام السياسي. ومنذ عام 2007، بدأت النيابة العامة الموالية لكولن سلسلة من التحقيقات في الجيش عن مؤامرات مزعومة للإطاحة بحكومة أردوغان. وقضت بسجن مئات الضباط. وقال "ايلكر باشبوغ" الرئيس السابق للجيش التركي وواحد من الجنرالات الذين أدين وبرئ في وقت لاحق، في تصريحات صحفية إنه حذر حزب العدالة والتنمية من التهديد الذي تشكله حركة كولن. وأضاف: قلت لهم اليوم التهديد للجيش.. ولكن غدا سيكون لكم". وبحلول ديسمبر 2013، كان التحالف بين العدالة والتنمية وحركة كولن تراجع تماما، مع إطلاق الحركة تحقيقات فساد طالت أردوغان وحكومته وأدت لفصل أربعة وزراء. من بدأ الضربة الأولى.. غير واضح، ويقول بعض المراقبين إن تزايد تسلل حركة كولن لمفاصل الدولة أزعج أردوغان بشدة، وبدأت السلطات في إغلاق مدارس كولن، ووسائل الإعلام التابعة له، وبدأت عملية التطهير، وبحلول نهاية 2015، كانت حكومة حزب العدالة والتنمية أعلنت حركة كولن "منظمة إرهابية". ومع ذلك، هناك تعاطف كبير لحركة كولن بين الشعب التركي، حتى بين أولئك الذين يعارضون أسلوب أردوغان الاستبدادي.
وقال غولتكين (صحفي): "الناس يدركون في نهاية المطاف، أنه يمكن التخلص من أردوغان عن طريق صناديق الاقتراع .. ولكن كيف يمكنك التخلص من كولن؟".