دعونا نتفق أولاً أن كل شيء يحدث في هذا الكون بقدر الله.في أحياناً كثيرة نلاحظ أنه قد يموت الأغنياء المرفهين قبل نظرائهم في السن من الفقراء والمعدمين، وأن نسب المعمرين تكون عالية في بعض بلدان العالم التي تعيش علي الكفاف ومن ينتهجون أسلوب معيشي أقرب للتقشف منه للتخمة في المجتمعات الإستهلاكية الغير رشيدة، هذا ما أيده بعض العلماء من خلال التجارب المعملية. فقد أثبت تقرير "التغذية العالمي" لهذا العام 2016م أن 44% من بلدان العالم تشهد حالياً مستويات خطيرة سواء من نقص التغذية أومن السمنة، بمعني أن واحد من بين كل ثلاثة أشخاص في العالم يعامون سوء التغذية. في العادة يربط الناس سوء التغذية بالجوعي والمحرومون، لكن التقرير أفاد بأن زيادة الوزن وزيادة السكر أو الملح والدهون بالطعام ترتبط وتؤدي أيضاً إلي سوء التغذية. قام عالم "ليونارد جورانيت" من معهد ما ساتشوستس للتكنولوجيا بتجربة علي فطر الخميرة ليؤكد ما سبق من كلام، حيث لاحظ أن خلايا الخميرة التي أعاشها علي كمية من السكر به سعرات قليلة أي مصدر فقير في الطاقة وأخري قُدم لها كمية بها طاقة عادية- قدر معقول وكافي من الطاقة-قد تأخرت شيخوختها وعاشت عمر أطول من الأخري، وإستمر ليونارد في تقليل الطاقة تدريجياً فوجد أن خلايا الخميرة يطول عمرها وتتأخر شيخوختها كلما تعودت علي إستهلاك كمية قليلة من الطاقة حتي أدني قدر . فسر ليونارد ذلك بأنه يرجع إلي وجود جين في الخلايا الحية يسمي "سير 2 SIR-2" ومعناها "مُنظم المعلومات الصامتة"، يعمل علي كبت-تثبيط-مجموعة من الجينات الأخري، تلك الجينات عندما تنشط-في غياب جين سير2-تعمل علي توليد مخلفات-نفايات-بالخلايا يؤثر وجودها وتراكمها بالسلب علي حيوية الخلايا وكذلك تُعجل بشيخوختها وموتها. لذا أدي الغذاء منخفض الطاقة الي نشاط وعمل جين سير2 والذي حفز الخلايا علي الإستمرار في الإنقسام ومن ثم الإستمرارية في الحياة. هذه النتيجة جعلت العلماء يفكرون في تطبيقها علي الفئران-تمهيدا لتطبيقها علي الإنسان-حيث ساعد تنشيط جين "سير2" بعد تغذية تلك الفئران علي مصدر طاقة فقير في إطالة عمرها بحوالي 40% وزاد من حيويتها مقارنة بالفئران العادية.
هذا الأسلوب المتقشف في التغذية قد يكون سبباً أيضاًكما قال الباحثون في التغلب علي أو مقاومة بعض الأمراض خاصة الخطيرة كالسرطان. هذا ما أكدته المعلومات التي تفيد بأن شاب "بابلو كيلي" عمره 27 عام من جنوب برنت في بريطانيا كان قد تم تشيخصه بإصابته بورم-سرطان-في المخ خلال 2014م، رفض هذا الشاب العلاج الكيماوي أو إستئصال الورم جراحياً، لكنه إتبع نظام غذائي "كيتوني Ketonic" حيث يتم قياس تركيز مادة حمضية تسمي "كيتون" تُنتج من حرق دهون الجسم بشكل دوري. يعتمد هذا النظام الغذائي علي الإبتعاد التام عن النشويات-يحصل عليها فقط من خلال الخضروات-وأيضاً كل الأطعمة المحفوظة المصنعة، وكذلك السكر المكررأو الخبز أو النشا أو حتي الحبوب، هذا بالإضافة الي تجنب جذور بعض النباتات التي بها نشويات، لكنه كان يتناول بشكل معقول الدهون والبروتينات المفيدة. أجري هذا الشاب أشعة مقطعية علي المخ خلال يناير 2015 وكانت المفاجأة للجميع والتي أوضحتها الأشعة هي إختفاء الورم تماما. فسر الباحثين سبب شفاء "كيلي" بأنه يعود الي إنخفاض النشويات-الكربوهيدرات-التي كانت تدخل أنسجة وخلايا جسم الشاب مما أدت إلي حرمان الورم من الطاقة التي كانت تلزمه لإستمراره في النمو والتطور. أقرت "الهيئة القومية للخدمات الصحية NHS " في بريطانيا النظام الغذائي الذي إتبعه "كيلي" وساعده في التخلص من السرطان وذلك لعلاج بعض حالات السرطان الأخري.
لا أحد يُنكر أن الغذاء المتوازن والمحتوي علي سعرات كافية يحافظ علي سلامة الإنسان ويحسن من مقاومته للأمراض وكذلك مناعته، وأنه في المقابل فإن الإسراف في أي نوع من الغذاء يعود بالسلب علي صحة وعمر الإنسان.