غدا تمر الذكرى الثالثة لأحداث 30 يونيه 2013 التي أطاحت بحكم الإخوان وأنهت رئاسة محمد مرسي عمليا ، وهي الذكرى المختلف حتى اليوم على تصنيفها ، هل هي ثورة شعبية أم انتفاضة شعبية أم موجة ثورية من موجات ثورة يناير ، كان الإخوان ينكرونها في البداية ثم انتهوا إلى التسليم بها مع التقليل من حجمها أو الحديث عن استخدام تقنيات سينمائية لإظهار الأعداد المشاركة بصورة ضخمة ، ولكنهم اعترفوا بأنها احتجاجات شعبية حقيقية ، وإن كانوا ربطوها وهو صحيح بترتيبات بعض الأجهزة التي كانت تدفع الأمور إلى هذا اليوم المشهود ، لكن الصحيح أيضا أن تلك الأجهزة أو غيرها لم تكن تستطيع أن تحشد هذه الملايين مهما أوتيت من ذكاء وقدرة ما لم يكن هناك حالة سخط حقيقية وحادة في أوساط الملايين تجاه نظام الحكم القائم الذي فشل في استيعابها أو تنفيس احتقانها بعناده السياسي وسوء تقديره ، وقد شاهدت بنفسي في ذلك اليوم الأعداد الضخمة في الشوارع والميادين ، وليس عبر أفلام خالد يوسف ، كما أن تلك الحشود الهائلة المعارضة لمرسي والإخوان ليست جديدة ، فقد جرت "تجربة" أخرى لها في شارع النصر أيام السباق الانتخابي بين مرسي وشفيق ، حيث حشد معسكر شفيق قرابة مليوني شخص في نهر بشري هائل امتد من كوبري أكتوبر إلى ميدان رابعة وكانت مشاهده تنقل على الهواء مباشرة وقتها في شاشات الفضائيات ، كما أن الانتخابات الرئاسية ذاتها ، كشفت عن انقسام كبير في مصر ، لأن هناك أكثر من اثني عشر مليونا خرجوا من بيوتهم في طوابير طويلة للتصويت ضد اختيار الدكتور محمد مرسي ، والمؤكد أن هذه الأعداد الرافضة تزايدت بعد تجربة السنة العاصفة وإحباطاتها ، وبالتالي فليس غريبا ولا جديدا ولا مصطنعا أن تنزل هذه الملايين مرة أخرى ضد حكم مرسي . الخطاب الرسمي للنظام الجديد الذي ولد في 3 يوليو 2013 ، والذي احتضن حراك 30 يونيه ، وحرص على اعتماد وصف "ثورة" له ، كان يسوق الأمر صراحة وبوضوح وتكرار ممل ، على أنه استعادة لثورة يناير من الإخوان الذين اختطفوها ، وعلى مدار سنة كاملة على الأقل ، كان الخطاب الإعلامي والأمني والرئاسي يتحدث عن "ثورة 30 يونيه" التي استعادة "ثورة يناير" من اختطاف الإخوان لها ، ثم بدأ هذا الخطاب ينزوي تدريجيا ، في مقابل تنامي خطاب عدائي لثورة يناير ، ثم جرى ما جرى في أرض الواقع على مدار ثلاث سنوات ، ليتولد السؤال البديهي الآن ، أين هي ثورة يناير التي استعادها "الجيش والشعب" من الإخوان "الخطافين" ، وماذا تبقى من هذه الثورة الآن ، سواء في مجال الحريات العامة ، أو العدالة ، أو العدالة الاجتماعية ، أو العيش أو الكرامة الإنسانية ، أو أي حلم جميل كانت تبشر به ثورة يناير ، أين هو هذا كله مما وقع اليوم . بعد أن استتب الوضع للسلطات الجديدة ، بعد موجة 30 يونيه ، بدأت جهود علنية للتخلص من ميراث ثورة يناير ، ولم يكن يخفى على أي مراقب أو متابع أو مهتم بالشأن العام ، أن القيادات الرسمية في الأجهزة والمؤسسات الصلبة بالكامل تنظر إلى ثورة يناير على أنها كارثة ومصيبة على مصر ومؤامرة أمريكية لتمزيق مصر وأنها جزء من حروب الجيل الرابع والخامس وأنها مرحلة من مراحل الفوضى الخلاقة ، وبدأت حملة ملاحقات إعلامية وأمنية وقضائية وسياسية لتهميش ثم مطاردة ثم قمع ثم تشويه كل من ينتمي إلى ثورة يناير ، من النشطاء والشخصيات العامة والأحزاب والصحفيين والإعلاميين وغيرهم ، وهو ما عزز الانطباع داخل مصر وخارجها بأن ما جرى في 30 يونيه أيا كانت التفاصيل فيه كان ثورة مضادة لثورة يناير . ولكن ، تبقى ثورة يناير هي الحقيقة الأعظم والأكثر نبلا في تاريخ مصر الحديث ، أزهى أيام عاشها الشعب المصري ، أيام الفرح والتفاؤل ونشوة الانتصار على الطغيان ونشوة الآمال العريضة بمستقبل مشبع بالعدل والكرامة والحرية والشفافية ، أيام إحساس كل مواطن بأنه استعاد إنسانيته واستعاد كرامته ، واستعاد قدرته على الاحتجاج وانتزاع حقوقه وإثبات الوجود ، سواء مواطن عادي أو أحزاب أو نشطاء أو ضابط شرطة أو حتى رجال النيابة والقضاء ، حيث شهدت تلك الأيام زخما في التظاهرات والمواقف الاحتجاجية العفوية والواثقة من المستقبل ومن أن السلطة عادت للشعب ، ولم تبق فئة من فئات المصريين لم يكن لها وقفة أو احتجاج أو مسيرة ، أيضا ستبقى المعضلة للسلطة الحالية ولكل سلطة تفكر في المساس بثورة يناير ، حقيقة أن المؤسسة العسكرية انحازت للثورة علانية وتضامنت مع الشعب في إزاحة مبارك وتأسيس شرعية جديدة ، وكانت المؤسسة تتباهى عبر خطب قياداتها والبيانات الرسمية المتتالية للمجلس العسكري بأنها تحمي "ثورة الشعب" وأنها تستجيب لمطالب "ثورة الشعب" وتقدم التحية العسكرية "لشهداء الثورة" ، أيضا حفرت ثورة يناير اسمها في الدستور المصري بأحرف من نور ، لا يجرؤ أحد على محوه أو تجاهله ، وكل شرعية في مصر اليوم مستمدة من هذا الدستور ، وكل رئيس أو وزير أو قائد عسكري أو غفير في مصر الآن يستمد وجوده وسلطته وشرعيته دستوريا من ثورة يناير ، وحتى ما جرى في 30 يونيه ، والتي تحرص السلطة الحالية على التغني بها وحدها كثورة شعب ، تستمد شرعيتها من ثورة يناير ، بل شرعيتها الوحيدة المعلنة والتي تفاخروا بها أنها استعادت "ثورة يناير" ، بغض النظر عن صحة ذلك فعليا من عدمه .