منذ ما يقرب من عامين نشر الدكتور أحمد النجار، رئيس مجلس إدارة مؤسسة الأهرام، على صفحته للتواصل الاجتماعى، يفخر بأن الأهرام لم تعد تمنع أحدًا من الكتابة، فعلقت على قوله بالتشكيك، مع أننى متابع للرجل منذ سنوات وتعجبنى كتاباته وتحليلاته الاقتصادية، فرد علىّ بأن كلامى غير صحيح. فعزمت أن أقوم بعملية اختبار عملى، فأرسلت إليه مجموعة الملاحظات التى سجلتها على خطة وزارة التربية فى التعليم، حيث كانت قد أحالتها للنظر والتقييم وإبداء الرأى. وفوجئت حقيقة بنشر صفحة كاملة على صفحات الأهرام تحمل ملاحظاتى على خطة التعليم، مما اقتضى أن ترد الوزارة علىّ بصفحة أخرى.. أكبرت ما فعل النجار معى.. وزاد تقديرى واحترامى للرجل، وصدّقت أن الأهرام بالفعل تفتح صفحاتها للرأى الصادق بغض النظر عن توجهها. وتشجعت فأرسلت دراسة أخرى عن التعليم، حظيت هى الأخرى بالنشر على صفحة كاملة، وهو الأمر الذى لم أحظ به أبدًا من قبل ولا أى أحد من مفكرى التربية ومسئولى التعليم.. بل وأُفردت صفحتان مرة لدراسة لى عن وزراء التعليم فى تاريخ مصر الحديث.. تتابع الأمر، حتى بلغ ما نُشر لى 16 مقالاً، بنفس المساحة الواسعة والاحتفاء الكريم، وأحدث كل مقال أصداءً رائعة واسعة بين الناس وخاصة بين أساتذة التربية وخبراء التعليم الذين فرحوا بأن تحتل قضية التعليم ونقده وتطويره هذه المساحة الكريمة والاهتمام الرائع.. وتقابلت مرة – صدفة – مع رئيس تحرير الأهرام بمبنى الأهرام، أمام المصعد وعرفته بنفسى، فرحب بى كثيرًا ومدح فيما أكتب، وأعطانى تليفونه ورقم بريده الإلكترونى.. وفى أواخر أكتوبر 2015، أرسلت مقالا بعنوان (شروخ فى جدار الجامعة)، وأخطرت رئيس التحرير بذلك فى رسالة على الهاتف، فرد فى 2/11 "بإذن الله".. يقصد عملية النشر.. وتمر الأيام، ولا يظهر المقال.. أرسلت فى 26/11 للدكتور النجار أستفسر عن تأخر النشر، فرد علىّ ردًا جافًا على غير العادة، وما يشبه قوله بأن أجعل علاقتى مع رئيس التحرير نفسه، مع أننى ما دخلت إلا من باب الدكتور النجار ذاته.. وتمر الأسابيع، دون نشر.. كان وجه عجبى أننى لم أكن أكتب فى السياسة، مكتفيًا بما أكتبه من تعليقات سياسية على صفحتى للتواصل الاجتماعى.. دائرًا فى أغلب الأحوال حول قواعد ومبادئ عامة.. ولما تيقنت أن المقال لن ينشر، اتجهت إلى أحد مسئولى جريدة مستقلة يومية شهيرة، فاحتفى بى الرجل كثيرًا ملقبا إياى ب "أستاذنا" ووعد بنشر المقال الذى أرسلته له فى 15/12.. ولما لم ينشر، أرسلت لنفس المسئول أسأله عن السبب، فإذا بحالة صمت مريبة.. لا رد، سلبًا أو إيجابًا على من وُصف ب(أستاذنا).. وهو لم يبالغ فى هذا التوصيف، حيث مارس كاتب هذه السطور الكتابة على صفحات الأهرام من يوم 6/1/1970، والكثيرون من مسئولى صحف اليوم ما زالوا بعد صغارًا.. واتصلت بمسئول آخر أكبر فى الجريدة نفسها، وهو أيضا أبدى ترحيبه بشخصى، مؤكدا أنه تعلم منى الكثير فى أواسط الثمانينيات.. اتجهت إلى صحيفة أخرى، مستقلة يومية شهيرة، ولما اتصلت برئيس تحريرها أبدى الرجل أيضا ترحيبا واضحا بى، لكن، بعد فترة، وكنت قد أخفقت فى إرسال المقال على بريده الإلكترونى، فكتبت إليه أخطره بهذا ليرشد إلى حل آخر.. فإذا بصمت القبور يبرز لى مرة أخرى.. بدا لى أن المسألة لا تخص الأهرام وحدها، ولا هذه الصحيفة ولا تلك، بل هو "تعميم" – والله أعلم- يأمر بعدم النشر لى.. مرة أخرى، مع أن مقالاتى المطلوب نشرها خاصة بتطوير التعليم.. ويثور بداخلى تساؤل مؤلم: لم هذا الموقف منى؟ هل شموا من بعض تعليقاتى أنى لست من "الأنصار"؟ وما المشكلة فى ذلك؟ لم أنضم طوال حياتى إلى أى تنظيم، ولا سرت يوما من بعد 1951 فى مظاهرة.. ولا أمسكت يوما ولو بحجر أو بعصا.. دائما قلمى هو سلاحى، وفكرى وضميرى هما الموجهان لى، والتنظيم الواحد الذى أسير تحت رايته هو "سعيد إسماعيل على"، بكل ما فيه من حسن أو سوء، معتمدا على من يقرأ لى بمعاقبتى بعدم القراءة لى أو بمكافأتى بمتابعة فكرى.. وأعود إلى كتاب لى شهير جمّعت فيه مقالاتى السياسية منذ عام 1984، حتى أول التسعينيات (هوامش فى السياسة المصرية) ، وأخذت أضرب كفا بكف، متسائلا هل أستطيع أن أكتب مثل هذا الآن؟ كلا.. وإن استطعت، فهل هناك صحيفة تجرؤ على نشره؟ كلا.. اللهم إنا لا نسألك رد القضاء ولكنا نسألك اللطف فيه!!