خرجت علينا الصحف فى الأيام الماضية بتصريحات للدكتور محمد بديع – يعلن فيها صراحة بأن الرئيس القادم لن يكون إسلاميًا، وأنه سيكون رئيسًا توافقيًا، وأن شباب الإخوان قد غضبوا غضبًا شديدًا من هذه التصريحات، وعلى ذلك فإن ما كان أمراً مستوراً نتكهن به فى السابق صار أمرًا واقعًا علينا التفكير فيه واتخاذ موقف واضح حياله. أنا شخصيًا أقدر غضب الشباب المسلم وأتفهم شعورهم إذا ما فرضت الأحداث عليهم التخلى مؤقتًا عن حلم الرئيس الإسلامى، ولكن إذا كانت حماسة الشباب هى القوة الدافعة لسفينة الوطن فإن حكمة الشيوخ هى التى تقود السفينة عبر العواصف والأمواج المتلاطمة إلى البر الآمن، على الشباب أن يدرك أن هذه التصريحات لا تعنى أبدًا أن المرشد العام للجماعة قد تخلى عن حلمه وحلمهم، ولكن السياسة هى فن الممكن، وكلنا يعلم أن أمريكا للأسف تملك معظم أوراق اللعبة وأهمها ورقة الاقتصاد وأن من لا يملك قوته لا يملك قراره. فضلاً عن ذلك فقد اكتشفنا مؤخراً أن علاقة أمريكا بالدول العربية أفضل من علاقة مصر بها، بل إنهم قد ينقلبون على مصر فى أى لحظة إذا أرادت أمريكا ذلك، ولنذكر فى هذا المقام موقف الدول العربية المناوئ لمصر عند اختيار الأمين العام للجامعة العربية، وموقف الدولة الخليجية التى أصرت على عدم تفريغ سفينة البنزين فى الميناء المصرى ما لم يتم الدفع مقدماً رغم علمها بوجود أزمة بنزين بالبلاد، ورحم الله حرب أكتوبر المجيدة، وقتها قطعت دول الخليج البترول عن أمريكا وأوروبا فكانت سلاحًا من أسلحة النصر، اليوم يقطعون البترول عن الشقيقة مصر لصالح أمريكا. أضف إلى ذلك حالة الجبهة الداخلية المهددة فى كل لحظة بالاهتراء والتمزق، لقد نجحت أمريكا طوال عهود العمالة السابقة فى خلق أكثر من لوبى موالٍ لها داخل البلاد، وكلنا يعلم هذه الطوائف فلا داعى لذكر التفاصيل ما دامت مفهومة، ولكن القدر المتيقن هو أن أمريكا تستطيع للأسف فى أى لحظة إذا شاءت أن تحرك هذه الطوائف نحو إحداث اضطرابات داخلية وفتن وقلاقل وانقسامات عميقة فى جبهتنا الداخلية خاصة فى ظل هشاشة القبضة الأمنية فى الوقت الراهن. إذا، جلس المفاوض المصرى على طاولة المفاوضات وهو لا يملك من أوراق التفاوض سوى ورقة واحدة فقط هى الشعبية الكاسحة التى حصل عليها بالانتخابات، وهى ورقة لا تؤهله لأكثر من الجلوس على مائدة التفاوض فقط، اقتصادك منهار، علاقاتكم الإستراتيجية هشة، جبهتكم الداخلية مهترئة، ومع ذلك تلومون على فضيلة المرشد أنه فرض على أمريكا أن يكون الرئيس توافقيًا، بمعنى أنه لن يكون أحد رئيسًا لمصر إلا إذا وافق عليه الإخوان، وحينما عرضت أمريكا شخصًا بعينه ووقع الاعتراض عليه رضخت أمريكا لإرادة المفاوض المصرى وطرحت بديلاً ليجرى التوافق عليه، لا جدل أننا جميعًا كنا نحلم بأكثر من هذا، ولكن القاعدة الأصولية أن ما لا يدرك كله لا يترك كله وقد حقق فضيلة المرشد من فن الممكن حده الأقصى المتاح، والاسم المقترح الآن لتولى المنصب هو شخصية محترمة من الجميع ولديه القدرة على إدارة شئون البلاد فى السنوات الأربع القادمة، بعدها قد يكون لنا شأن آخر. أقول لشباب الإخوان، ارحموا مرشدكم، ما قدرتموه حق قدره، اذكروا قيادته الحكيمة للجماعة قبل الثورة، واذكروا قيادته الحكيمة للتيار الإسلامى كله أثناء الثورة، واذكروا قيادته الحكيمة للتحالف بعد الثورة، فإذا وجدتم بعد ذك ما لا يعجبكم فتأملوا ... عسى أن يكون من وراء ذلك حكمة بالغة. وأقول للسلفيين تريثوا قليلاً قبل أن تتخذوا قرارًا فى هذا الشأن الجلل، فالأمر أكبر من التصريحات العنترية التى خرج علينا بها بعض المتحمسين، وفقكم الله لكى نخرج جميعاً من هذه المرحلة بسلام، آمين.