لم تكن خطوة مناسبة أن تقوم بعض دول حوض النيل بالتوقيع على اتفاقية إطارية بعيدة عن إجماع دول الحوض، فقد وقعت عليها كل من أوغندا وإثيوبيا وتنزانيا ورواندا رغم رفض مصر والسودان التوقيع عليها لعدم اتفاق جميع دول الحوض حول بنودها ومع ذلك تتمسك مصر بمبدأ الحوار، وتدعو للعودة إلى التفاوض مع كل دول المنابع بغية التوصل إلى اتفاق شامل، وتبنى مصر مواقفها هذه على المنطلقات الآتية: المنطلق الأول: هو أن كميات الأمطار والمياه الساقطة على دول حوض النيل تزيد على 1600 مليار م3، وهى تفيض عن حاجات كل دول الحوض إذا ما أمكن التحكم فيها عن طريق عمل الخزانات، وحفر الآبار، وترشيد واستغلال المياه، خاصة إذا ما علمنا أن كميات المياه الواصلة إلى مصر والسودان لا تتعدى 84 مليار 3، أى 5٪ فقط من المياه المتوفرة لدول الحوض، فالمشكلة ليست مشكلة نقص المياه بقدر ما هى كيفية التصرف فيها وحسن استغلالها. المنطلق الثانى: التاريخ المشترك، فبين مصر ودول أفريقيا وحوض النيل تاريخ مشترك، وتراث وثقافة سائدة منذ عصور الفراعنة حتى عصر الصراع والتكالب الاستعمارى على دول القارة بما فيها مصر والسودان، مروراً بكفاح الدول الأفريقية وتكاتفها ضد الدول المستعمرة حتى حصلت على استقلالها خلال الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، حيث كان لنكروما وعبدالناصر ونيريرى دور أساسى فى هذه المرحلة من تاريخ استقلال أفريقيا، ومازالت كل دول أفريقيا، بما فيها دول حوض النيل ومن بينها مصر، تصارع من أجل التخلص من السيطرة الاقتصادية بهدف تحقيق الاستقلال الاقتصادى. المنطلق الثالث: أن نهر النيل نهر دولى، والنهر الدولى هو ذلك الممتد بين إقليم دولتين أو أكثر، ويرتبط بذلك ظهور مصطلح «نظام المياه الدولية» الذى مؤداه أن أى دولة لا تستطيع أن تمارس سلطانها كاملاً على ما يجرى فيها من أنهار إذا كانت تشترك معها دول أخرى فى نفس النهر أو الأنهار حتى لا تنتهك قواعد القانون الدولى، وهناك معاهدات عديدة تقر هذا المعنى مثل معاهدات فيينا 1815، وبرشلونة 1921، وجنيف 1922 وغيرها، لذلك ينبغى أن تخضع دول أحواض الأنهار للاتفاقات التى تحكم طريقة تصرفاتها نحو المياه. وترى بعض دول المنابع أن اتفاقيات حوض النيل وقعت فى عهد الاستعمار وبالتالى فهى - من وجهة نظرها - غير سارية المفعول، غير أن الاتفاقيات الدولية تدحض هذا الرأى، فاتفاقية فيينا 1978 بشأن التوارث الدولى تؤكد أن الاتفاقيات السابقة تظل سارية المفعول مهما تغيرت الحكومات، وعليه تظل اتفاقيات مياه النيل التزاماً على دول الحوض. ولقد أقرت منظمة الوحدة الأفريقية الاتفاقيات السابقة المتصلة بالحدود والمياه حتى لو كانت موقعة فى العهد الاستعمارى خشية إشاعة الفوضى والحروب بين الدول. المنطلق الرابع: أن معظم الدول والجهات المانحة تساند الموقف المصرى السودانى، وتدعم تطبيق القواعد المتعارف عليها دولياً، ولا توافق على تمويل مشروعات مائية لدول حوض النيل دون الاتفاق الكامل بشأنها، فلقد علق ممثل الاتحاد الأوروبى (وهو من الجهات المانحة) على فكرة توقيع اتفاق منفرد فى عنتيبى بأوغندا بأنها «فكرة غير صائبة لغياب مصر والسودان». المنطلق الخامس: أن التفاهم والعمل المشترك هما الحل الوحيد لمشكلات المياه فى جميع أنحاء العالم، ولم تصل أى مشكلة فى أى منطقة إلى درجة الصدام أو الحرب - مثلما تلوح إسرائيل أو تتمنى - لأن التعاون هو الأسلوب الأنسب. المنطلق السادس: أنه لابد من الاعتراف بحاجة دول منابع النيل إلى التنمية لكى تعوض ما فاتها، وأصابها خلال فترة الحروب الأهلية، وأنه لابد من الاعتراف بمسؤولية مصر فى القيام بالدور الأساسى فى تنمية دول حوض النيل، مصر التى يعول عليها كثيراً - بعد فترة أصابها فيها السهو أو الخطأ - من قبل إخواننا فى دول الحوض، فلابد من عمل مصرى تتحمله الدولة وأصحاب رأس المال من القطاع الخاص الذين تشكل المياه مكوناً أساسياً فى جميع نشاطات شركاتهم، فآن لنا أن نتجه برؤوس أموالنا نحو الجنوب لكى نفيد ونستفيد، فكفانا اتجاهاً نحو الشمال ولابد من تشكيل هيئة قومية، أو لجنة قومية للمياه، تضم خبراء مصر فى هذا المجال، وخبراء فى السياسة الأفريقية تحت رئاسة رئيس الجمهورية مباشرة لأهمية وخطورة هذا الملف بالنسبة لأمن مصر المائى والسياسى. * أستاذ بجامعة المنصورة