ربما تكون كليات الحقوق المنتشرة فى الجامعات المصرية فى كل الجمهورية، جزءاً من الأزمة المشتعلة بين المحامين والقضاة، أنت تعرف أنها ومعها كليات الشريعة والقانون الأزهرية، الباب الوحيد للعمل فى منظومة العدالة، سواء فى جهات التقاضى والتحقيق الجالس، أو فى «القضاء الواقف» كما يحب المحامون أن يسموا مهنتهم. المواد القانونية والحقوقية أيضاً هى التى يدرسها طلاب كلية الشرطة، ويتيح القانون لضباط الشرطة، وفق دراستهم، الالتحاق بالنيابة، أو العمل كمحامين بعد التقاعد، كما يتيح للقضاة بعد تقاعدهم العمل كمحامين بعد قبول النقابة قيدهم. أنت تعرف أن كليات الحقوق وكلية الشرطة يسمونها حسب الأوصاف التنسيقية بعد الثانوية العامة «كليات مرحلة ثالثة» فالمجموع الذى تقبله هذه الكليات متدن جداً، ويكاد يتراوح بين 55% و65%، بما يعنى أنها تمنح فرصة الالتحاق بها لعدد كبير جداً من الطلاب، غالبيتهم من شريحة دراسية متوسطة الكفاءة والإنجاز، مقارنة بزملائهم فى الثانوية العامة الذين يلتحقون بكليات المرحلتين الأولى والثانية، حتى إن صديقى وزميلى أحمد الخطيب، الصحفى البارز فى ملف الإسلام السياسى، كثيراً ما يتندر بالقول إن «تجمع ال50%» هم الذين يحكمون البلد، سواء كضباط أو وكلاء نيابة أو محامين، فى إشارة إلى «التوسط الدراسى» لغالبيتهم، وحصولهم على مجاميع متواضعة فى الثانوية العامة. دعك من كلية الشرطة قليلاً، فهى إذا كانت تشارك كلية الحقوق فى قبول طلاب متوسطى المستوى والتقدير العلمى، فإن لها قواعد قبول خاصة بها، وما يثار حولها من أقاويل حول تفشى الوساطة والمحسوبية فى حسم القبول بها، لتبقى كليات الحقوق بانتشارها فى كل الجامعات تقبل أعداداً هائلة كل عام، غالبيتهم من طلاب المرحلة الثالثة، يتخرجون بتقديرات متفاوتة، فتتجه نسب قليلة منهم للعمل فى الشركات والإدارات القانونية، وينجح البعض فى الالتحاق بالهيئات القضائية، أغلبهم بسبب الانتماء العائلى، لتستقبل نقابة المحامين آلاف الخريجين كل عام. هذه الأعداد الهائلة من المحامين يضغطون على سوق عمل محدودة خاصة فى الأقاليم، وبالتالى ينالون الفرص بصعوبة بالغة، ويفضلون لو حصلوا على راتب شهرى ثابت و«برستيج» قضائى فيقبلون على تقديم أوراقهم للالتحاق بالهيئات القضائية، وعندما يفشلون لأسباب خارجة عن إرادتهم تبقى هذه الغصّة حاكمة بينهم وبين نظرائهم الشباب الذين يجلسون فى مقاعد النيابة. جزء من الحل هو إعادة الهيبة لكليات الحقوق والشريعة والقانون، فلا يجب أن تقبل كل من نجح بالكاد فى الثانوية العامة، ولابد أن يكون لها مكان مميز وسط تنسيق القبول، ربما ليس قريباً من كليات القمة التى تحتاج تفوقاً علمياً كبيراً، وإنما فى منطقة وسط لا يجوز أن تقل عن 80% مثلاً، أنت بذلك تضمن التحكم فى هذه الأعداد الهائلة وضبطها بما يناسب سوق العمل، إلى جانب ضبط قواعد قبول نقابية تتحكم فى قبول هذه الأعداد وبذلك ستضمن وضعاً مهنياً جيداً لشباب المحامين، ومناخ عمل قادراً على استيعابهم بكرامة وشرف بما يجعلهم يشعرون بالاستغناء عن حلم «الوظيفة والراتب الثابت»، فتقضى على جزء من الأزمة النفسية، وفى الوقت نفسه تضمن عدم تكرار نموذج وصول قاض لمنصته ب55% فى الثانوية العامة، و«مقبول» فى ليسانس الحقوق، حينئذ نعيد الهيبة لكلية الحقوق، والاعتبار لمعايير تعيين أعضاء الهيئات القضائية! [email protected]