النفاق هو أن تقول ما لا تفعل، ونحن نقول ليل نهار الكثير فى فضائياتنا وصحفنا عن مقاومة إسرائيل، ولكننا كذابون، نلطم فى الصحف والفضائيات، كلام ليل مدهون بزبدة، وبدهون ميكياج المذيعات، يطلع عليه النهار يسيح. المقاومة الجادة أو حتى شىء من الرجولة هو اتخاذ موقف صارم ضد إسرائيل. كنت على واحدة من الفضائيات المصرية، وطالبت الصحافة المصرية والعربية بأن تنشر لنا أسماء كل الشركات المصرية والعربية التى تتعامل مع إسرائيل فى تجارة بلغ حجمها أربعة بلايين دولار، لنعرف من مع المقاومة ومن مع إسرائيل؟ وطالبت الصحافة أيضا بألا تنشر بهدف «التجريس»، أى أن تعلق الجرس للمطبعين، ولكن أيضا تمنح هؤلاء المطبعين فرصة للتراجع. أطلب من الشركات المصرية والعربية التى بلغ عددها اليوم خمسمائة شركة تتاجر مع إسرائيل مباشرة، أن تقاطعها ولو ليوم واحد احتجاجاً على وحشية إسرائيل. نريد أن نرى قائمة الشركات التى تتاجر مع إسرائيل، ونريد أن نعرف من قاطع ومن لايزال يتاجر، رغم الدماء التى تسيل؟ مَنْ يتاجر بالكلام فى الليل، ويبزنس بالنهار؟ مَنْ أمواله ملطخة بالدماء من أهلنا؟ ما حدث ويحدث فى غزة لا يمكن للعالم أن يسكت عليه، لكن الأولى ألا يسكت عليه العرب أنفسهم، لا تكفى الإدانة والتصريحات، فما حدث ليس بشعاً فقط وإنما مهين لنا جميعا، إننى أشعر بالإهانة: كإنسان أولاً، ومسلم وعربى ومصرى. إن ما حدث هو بشاعة ما بعدها بشاعة. حديثى اليوم موجه إلى العرب الذين يشاركون الإسرائيليين فى مشاريع فى النفط والغاز والملابس، إلى آخر هذه الشراكات، أن يكونوا رجالا ولو لمرة واحدة وأن يوقفوا كل أنواع التعاون مع إسرائيل. حديثى أيضاً موجه للجيش التركى الذى يشارك إسرائيل فى ترتيبات عسكرية ومناورات أن يوقف ذلك، وأن يوقف التعاون العسكرى الذى زاد حجمه بين إسرائيل وتركيا منذ عام 1994 إلى عشرين مليار دولار. أيضا أدعو تجار الكويز فى مصر والأردن إلى أن يتوقفوا عن البيع لإسرائيل، أدعو كل رجل لديه ما يساوى شاربه من قيمة أن يكون رجلا لمرة واحدة ويتوقف عن التعاون مع إسرائيل. هذا هو الامتحان. كما أننى أدعو الصحافة والإعلام إلى أن يفضحوا كل عربى له تعاملات مع إسرائيل مهما صغرت، من بائع إلى تاجر إلى مثقف، إلى صحفى، وأن نعرى هذا السلوك المشين، دونما جلد مطلق للذات، ولكن إعطاء من تعاملوا مع إسرائيل الفرصة لقطع علاقاتهم بها. أدعو الصحافة وشباب الإنترنت إلى أن يتابعوا فضح الشركات والأفراد ممن يتعاملون مع إسرائيل، وأن نتوخى الدقة والحذر فى إدراك الحقائق حتى لا نأخذ الناس بالشبهات، يشجعون من يقاطع ويشكرونه، ويدينون من يكذب علينا ويبيعنا شعارات فى الفضائيات فى الليل ويتاجر مع إسرائيل فى وضح النهار. مهم أن يعرف المصريون أن نصف أسمنت الجار جاء بطرق مباشرة وغير مباشرة عن طريق تجار مصريين، ولدى الأدلة، لا يكفى أن تقول لنا شعارات على الفضائيات والصحف وأنت تنام مع الإسرائيليين فى البيزنس. حاسبوا هؤلاء. حاسبوهم قبل أن تحاسبوا إسرائيل، ذلك لأنكم تملكون محاسبتهم. بنجامين نتنياهو وحكومته لابد وأن يعرفا أن هناك ثمناً لهذا السلوك البشع، ولهذا القتل ولهذه الدماء التى سالت فى عرض البحر، وأننا لا ننسى. هى ليست مجرد حادثة وتمر. إسرائيل تعرف أننا منافقون، وأننا سننصب جنازة ونلطم فى الفضائيات لمدة أسبوع، ولكن تجارة إسرائيل معنا ستظل تدر عليهم الدولارات، عليهم وعلى أصدقائهم من أبناء جلدتنا. أمام العرب اليوم كصحافة وتليفزيونات ومجتمع مدنى أن ننظر إلى أنفسنا فى المرآة ونحاسب أصدقاء إسرائيل وشركاءهم فى البيزنس فى بلداننا، هذا هو التحدى. منذ بداية ملامح الصيف ونحن نشهد مؤشرات إجرام إسرائيلية، ولابد من كبح جماح هذا السلوك الإسرائيلى الذى يهدد الاستقرار الإقليمى من خلال قتل الأبرياء فى عرض البحر، وكذلك التهديدات الإسرائيلية لكل من سوريا ولبنان، وضرب للشعب الفلسطينى الرازح تحت الاحتلال بالرصاص الحى، وبالطائرات والمدافع. بشاعة تلك التى نشهدها. بشاعة مصحوبة بغرور القوة التى يجب أن نفكر فى طرق مختلفة لإيقافها، وأول الطرق هى الضغط على تجارنا بأن يتوقفوا عن البيع والشراء من إسرائيل، عار عليهم هذا السلوك. أعرف أن الكثيرين من صحفيينا سيكونون ضعفاء أمام أهل المال، ولن يستطيع الكثيرون منهم نشر القوائم، أو فضحها، وهم معذورون فى ذلك فلبعض الصحفيين ظروفهم، ولكن مازال عندى أمل أن الطبع يغلب التطبيع، وأن هناك من بيننا من سيضحون وينشرون ويعرون العدوان فى الخارج، ومسانديه فى الداخل.. علينا أن نكون رجالا ولو مرة واحدة.