عامان فقط تغير فيهما كل شىء، بقى المكان كما هو مسجد السيدة زينب، وتغيرت سلوكيات رواده.. لم يكن هذا التغيير برضا كامل منهم، لكنهم اضطروا إليه بعد أن عرفوا أنه لا سبيل سوى تطبيقه.. فلم يعد المكان يستوعب ذلك الزائر الذى اعتاد أن يصطحب أطفاله، محملا بحلل المحشى، أو الذى اتخذ المسجد مأوى له يمارس فيه التسول والسرقة، إذ واجه النظام الجديد الذى وضعه المسجد بالجهود الذاتية كل هؤلاء. بالتزامن مع مشروع تطوير المسجد، تحركت «محبة السيدة» - هكذا سماها من حولها فهى إحدى رواد المسجد الحريصين على مظهره - وعرضت تطبيق نظام صارم على رواد المسجد وتحديدا مصلى السيدات يضمن الحفاظ على نظافته وفى الوقت نفسه يحفظ له طبيعته كمكان للصلاة وإقامة الشعائر، ويحمى رواده مما قد يتعرضون له من سرقة واعتداءات وترويج لأفكار شاذة وشعوذة.. اتفقت محبة السيدة مع وزارة الأوقاف ومجلس إدارة المسجد برئاسة د. فتحى سرور وشركة المقاولون العرب المنفذة لأعمال التطوير على تركيب كاميرات ترصد حركة السيدات داخل المسجد، ووضعت أفراد أمن على الأبواب لتفتيش الحقائب ومنع دخول الأطعمة والمشروبات، كما منع الباعة السريحة من دخول حرم المسجد، ولم تزعجها تلك الصرخات التى كانت تنطلق مع كل صلاة من المشعوذين الرافضين قراراتها: «يا ستنا يا ستنا مشِّى الست دى من هنا». «محبة السيدة» تؤمن بأنها تقدم لدينها خدمة جليلة، فما رأته فى المسجد من ممارسات يتناقض مع ما تعلمته عن الإسلام وسماحته كدين عبادات، فقررت أن تستعين بما درسته فى الجامعة الأمريكية وتوظف قدراتها المادية فى تطوير المسجد.. لذا قررت أن تبدأ من مصلى النساء، فهن فى رأيها أس البلاء: الستات هما اللى بيبوظوا النظام فى أى مكان، وكفاية إنى أحارب حلل المحشى والمسليات والأطفال الرضع، بحيث يصبح التواجد فى المسجد للصلاة أو لتلقى العلم فحسب مش للقعدة والنميمة. بدأت «محبة السيدة» فى تغيير كل شىء داخل المسجد، أقل ما غيرته كان السجاد، وأكثر ما فعلته كان السلوك، وتحملت فى سبيل ذلك عبء الذهاب يوميا إلى المسجد من التاسعة صباحا وحتى منتصف الليل للإشراف على النظام الذى وضعته والتأكد من عدم خرقه أو تجاوزه. الآن وبعد مرور أشهر على النظام الجديد، بدأت «محبة السيدة» تحصد نتيجة عملها، فالكاميرات التى وضعتها لمراقبة المكان كشفت لها عن ممارسات أخرى غير الطعام والأطفال، إذ اكتشفت الكاميرات سيدات يجئن المسجد للسرقة، وأخريات يلقين بأطفالهن الرضع فيه.. ولتوضيح الفارق بين الوضع الذى كان عليه المسجد ووضعه الآن، وضعت «محبة السيدة» صورا حية للمسجد قبل عامين وأخرى له الآن، الأولى امتلأت بالحلل والأوانى والأطفال فى كل مكان، والثانية عكست حالة التغيير التى أصابته، وذيلتها بكلمتى «قبل وبعد»، واستوقفت عداً كبيرا من رواد المسجد متسائلة: أيهما تفضل.. قبل التطوير أم بعد التطوير؟