في صمت يعملن, ودون ضجيج, أو لهث وراء الاعلام, يرفضن ذكر أسمائهن, او التلويح بأحرف منها, لأنهن داعيات الي الخير والجمال.. دعوتهن بالكلمة والفعل,أفعالهن هي التي كشفت عن أياديهن البيضاء التي امتدت تجمل بيوت الله عز وجل. تناثرت الأقوال عن تفتيش لحقائب النساء وإجراءات مشددة في دخول مسجد السيدة زينب رضي الله عنها, واستياء من البعض, أردنا استطلاع الأمر, وذهبنا.. في الصورة الذهنية.. مشهد ساحة المسجد الزينبي الذي اعتدنا عليه منذ سنوات: نسوة يفترشن الساحة, بيع سبح وترمس, وفول نابت, وطراطير, ولعب أطفال و.. و.., وامرأة تشدك من يديك واعدة ب حجاب يفك النحس, ويزوج البنات ويوفق بين الأزواج.. لكن, وبمجرد الوصول إلي ميدان السيدة زينب, وجدنا أسوارا حديدية أمام باب النساء, وأمين شرطة يقف, وطابورا من النساء يدخلن بانتظام الواحدة تلو الأخري, وفي الواجهة سيدة ترتدي بالطو أبيض, دورها ليس النصح الطبي, كما قد يتخيل البعض, دورها كان التفتيش. دخلنا مثل السيدات, طلبت فتح الحقيبة وألقت نظرة عليها, ومررنا, ثم إلي المقام دخلنا, الوضع تغير تماما, الورد والأزهار تملأ المكان, والروائح الجميلة تستقبل الزائرات لتختلط بأصوات الدعاء والأكف المرفوعة التي تطلب من ستنا أن تتوسط لحل عقدة ما, بينما الأخريات يقرأن القرآن في هدوء, والعمال في الخارج ينظفون الحوائط. تعليمات الزيارة مكتوبة علي لوحات واضحة وبلهجة صارمة( ممنوع تناول الطعام, والزيارة بمواعيد تبدأ من9 صباحا وحتي السابعة والنصف مساء, أما علي الجانب الأيسر, فيبدو باب حديدي يفصل مدخل مصلي النساء عن المقام, وباب المصلي مغلق.. إذن.. شيء ما يحدث, فلقد انقلبت الصورة تماما, توقفنا وسألنا, فأشاروا إلي سيدة أكدوا أنها المسئولة التي يمكن أن نحدثها ونسألها. هي سيدة, علي درجة من العلم والدين, لا تبغي هي وفريق العمل النسائي الذي يقف وراء التطوير سوي الخير, ورفضت الاشارة اليها من قريب أو من بعيد, قالت اننا فقط نخدم بيوت الله ونحافظ عليها ونطهرها مما لحق بها من أذي يسيء الي الاسلام, وإلي المقام الكريم للسيدة زينب رضي الله عنها. قالت بدأنا نطور مصلي النساء منذ عام تقريبا, وغيرنا السجاجيد, ونظفنا الحوائط, ونعيد ترميمها, وخصصنا جزءا لكبار السن داخل المصلي به كراس, وقمنا بتعلية السور الخشبي الفاصل داخل المسجد بين النساء والرجال, لمنع تبادل الطعام بين الأزواج وزوجاتهم داخل المصلي. وأضافت السيدة المتبرعة بوقتها وجهدها قائلة: إننا كفريق عمل طورنا المكان بجهودنا الذاتية, ولا نريد أن يعرف أحد أي شيء عنا, فقط أخذنا تصاريح من وزارة الاوقاف ونعمل هنا للمحافظة علي قدسية المسجد. وقالت إن المقام كان يتناول فيه السيدات اللاتي يأتين من مختلف المحافظات المحشي والرنجة والفسيخ والبصل, بل إن أعمدة المقام اللامعة الآن كان عليها كميات متراكمة من القاذورات والزيوت, وتضيف: لا أنسي أبدا منظر إحدي السيدات وهي تمرر الفسيخ علي هذه الأعمدة, وقالت إنها تبارك الفسيخ حتي تأكله وتحل البركة في جسدها, وغيرها من المواقف التي يصعب ذكرها! وقالت إننا نظمنا مواعيد الزيارة, ويغلق المقام قبل الصلاة بربع ساعة ليتم تنظيفه, أما المصلي فيغلق بعد انتهاء الصلاة بنصف ساعة ويفتح قبلها بساعة للغرض نفسه, وأشارت إلي أن التطوير مازال مستمرا في المقام, لإعادة الجمال والقدسية والنظام والنظافة اليه, مشيرة إلي أن السيدة زينب يتوافد عليها جميع الجنسيات وجميع الأديان والمذاهب. ولماذا اذن تفتيش حقائب النساء؟ أجابت لمنع دخول الطعام والاشياء الأخري, وتابعت: وجدنا قطعتي حشيش في حقيبة احدي السيدات ذات يوم, وطبعا قمنا باللازم, فضلا عما تحرص بعض النساء علي وضعه في الحقيبة, لتقوم بعمل سحر, وأشارت إلي أن هذه الأشياء( السحر) وما يتطلبه كانت قاسما مشتركا لدي معظم السيدات, وفتح المصحف لعمل حجاب أو قراءة الغيب, وكان المقابل(5 جنيهات)! وأضافت: لا أحد يعارض التفتيش الا من كانت تريد إخفاء شيء ما, وأشارت الي أن مواعيد الزيارة صارمة, ولا تفتح الابواب لأي شخصية من داخل مصر أو خارجها لأن الكل سواسية, وتمنت صاحبة اليد الحنون نقلا عن زميلاتها تعميم تجربتهن إلي مساجد أخري, لكنها أرشدتنا الي مصلي مسجد النور, حيث تمتد الأيادي الناعمة لتجميل المسجد. الوضع في مسجد النور يختلف, قالتها احدي الداعيات المتبرعات التي تعطي دروسا في المسجد, وترفض أيضا ذكر اسمها, هي وزميلاتها في الدعوة, وهن سيدات أعمال وطبيبات ومحاسبات ومهندسات, تدرجن في التعليم الديني, حتي حفظن القرآن الكريم, وأخذنا تصريحا من وزارة الأوقاف بعد اختبارات عويصة, ثم ما لبثن أن نزلن إلي أرض الدعوة لقيم الاسلام وإلي نشر ثقافة الجمال خاصة في بيوت الرحمن. إحدي الداعيات اللاتي التقين بهن, تقول ان مصلي النساء كان يرثي له, وبالجهود الذاتية, غيرنا السجاجيد, وأصبح صالحا للصلاة وإعطاء الدروس, وقالت إننا لا نأخذ أي أموال بل التبرعات العينية, سواء كانت مراوح للمصلي, أو ثلاجات مياه وغيرها. وقام فريق العمل النسائي أيضا بإعداد دور كان مهجورا, لتحفيظ القرآن الكريم للأطفال وإعداد مسابقات ثقافية لهم, وتوضيح قيم الاسلام الجميلة, وتشمل دروس النساء, الفقه البسيط الذي تحتاج إليه المرأة في حياتها الخاصة, ولفتت الداعية إلي أنها تمارس الدعوة منذ17 عاما تقريبا, والمفاجأة أنها تعلمت حب الخير والعمل المدني من( الراهبات) في المدارس, وقالت أردنا أن نطبق ما تعلمناه ونخدم مجتمعنا وكل ما نسعي اليه هو تعديل السلوكيات بما يتماشي مع ما يدعو اليه الاسلام. لكن, ما التميز الذي يحققه( الداعيات) في هذا المجال؟ أجابت: إننا خريجات مدارس أجنبية, ومظهرنا يتسم بالبساطة وقريب من جموع النساء, ونحرص علي معالجة المشكلات الاجتماعية, التي قد تقع فيه النساء من خلال الاجابة عن تساؤلاتهن. وأضافت, إن ما يحدث في مسجد النور, يحدث أيضا في مساجد أنس بن مالك والرحمن الرحيم والحصري والصديق, وأشارت إلي تعاون إمام مسجد النور الشيخ أحمد ترك مع الفريق النسائي اللاتي يصل عددهن إلي20 امرأة, كلهن يتبرعن بالكلمة الطيبة والفعل الايجابي للحفاظ علي قدسية المساجد ونشر روح التكافل, ولا يبغين إلا مرضاة الله عز وجل.. فهنيئا لهن بالأجر, وهنيئا لرواد المساجد بالتطوير النسائي الجديد.