كثيرون لا يفهمون فنه الذى يقدمه، ولا يعتبرونه فى الأساس فنانا، فقط يرون النتيجة ويصفقون لها بحرارة، ولا يدرك أحدهم أن تلك اللوحة التى يتفاعلون معها التهمت من عمر صانعها ما يقرب من عامين. طول البال والصبر هما ألف باء حرفته، المعتمدة فى الأساس على الموهبة، ورغم اندثار كل ما هو جميل أو يدعو إلى الجمال، فإنه لايزال متمسكا بها، حريصا عليها منذ أن كان ابن 18 عاما.. كل هذه السنوات شجعت سعد الرومانى على أن يقيم أول معارضه للوحات الفسيفساء الدقيقة، أو «الميكرو موزاييك».. وضع فى المعرض 39 لوحة فقط، وأمام كل زائر لمعرضه كان يقف ليشرح الفرق بين الفسيفساء الدقيقة والعادية: «لوحة الفسيفساء العادية تحتاج عددا من الأحجار المختلفة، أما الفسيفساء الدقيقة فتحتاج لأحجار أكثر 400 مرة مما تحتاجه اللوحة العادية». ورغم سنه التى تجاوزت الخمسين، فإنه لا يمل البحث عن كل ما هو صغير ودقيق، ليكوّن به شيئا كبيرا وخالدا، حيث يعتمد عمله على تجميع ما يمكن تسميته «الفتات» ليكوَّن لوحة ضخمة قد يقضى فى صنعها أكثر من عام كامل، يصف هذه الحالة: «بحس إن فنى ده بيتخلد، خصوصا إن الفسيفساء الدقيقة مش بتتأثر بحرارة أو ميه، وبتفضل على حالتها الأصلية لمئات السنين، خصوصا إنها بتتكون من تفاصيل ممكن تكون مالهاش قيمة لوحدها، لكنها تكتسب قيمتها من وضعها إلى جوار بعضها، وتحويلها لعمل فنى يحرك مشاعر الناس». اللوحة الواحدة قد تحتاج فى يد الرومانى من 140 - 160 ألف قطعة، يقل عرض القطعة الواحدة عن الملليمتر، وتختلف الخامات بين الرخام والزمرد والفيروز والنحاس والزجاج، والأخير يستخدمه الرومانى كثيرا.. وحاول أكثر من مرة احتراف مهن أخرى أكثر سهولة واستقرارا، فعمل كمهندس ديكور ومصمم مجوهرات، لكنه عاد إلى الفسيفساء مرة أخرى، مستفيدا من الخبرة التى حصل عليها من أعماله السابقة، ويتذكر الرومانى أطول مدة قضاها فى لوحة كانت عامين، للملكة إليزابيث الثانية، بناء على طلب أحد أصدقائه الإنجليز، ويروى: «عملت لوحات لناس كتير مشهورة ومعروفة وبحبها على المستوى الشخصى زى الأديب نجيب محفوظ والنجم العالمى عمر الشريف بالإضافة إلى لوحة للملكة كليوباترا». لا يحلم الرومانى بالكثير، لكن حلمه بعيد، إذ يتمنى أن يصل فنه إلى كل المصريين ويصبح أكثر شعبية، خاصة أن مصر تميزت به لكن فى صناعة الحلى والمشغولات الفضية، ويتمنى أيضا أن يزيد عدد الفنانين والمهتمين بهذا الفن، وتعود المنتجات اليدوية إلى الصدارة كما كانت قبل قرون، ويراهن بأنه إذا تحققت أمنياته وتواجدت فى كل منزل لوحة فسيفساء سيرتفع الذوق العام ويصبح أكثر رقيا.