كان أول ما لفت نظرى فى فندق أطلانطس الفاخر فى دبى قائمة الأسعار التى تأملتها فى ذهول. أقل سعر للغرفة ألف دولار فى الليلة الواحدة، كان الأمر سهلاً بالنسبة لى.. فأنا مدعو من نادى دبى للصحافة.. ولن أكون من زبائن هذا الفندق على أى حال. وبعد ثوان قال لى عامل الاستقبال، وهو مصرى رائع يمتلئ بالبهجة والدفء:أستاذ أحمد.. سوف تقيم فى جناح يطل على مياه الخليج فى الطابق الثانى عشر. حفظت اسم الجناح وبحثت فى قائمة الأسعار فوجدته بثلاثة آلاف دولار فى الليلة، لم يكن لدىّ متسع من الحسرة.. فقد قررت طواعية قبل قليل ألا أدخل هنا إلا مدعوا. لكن وجهاً مصرياً رائعاً آخر.. كان يصافحنى بمزيجٍ من البروتوكول الصارم وخفّة الظل الطاغية.. قال لى: أنا يحيى إدريس.. مدير عام فندق أطلانطس.. لم أرحب ولم أبتسم وقلت له على الفور: ما هذه الأسعار؟!.. إنها خيالية.. ولا أعتقد أننا سنكون أصدقاء.. إذا بقيتم كذلك أو بقيت أنا هكذا. قال لى: ألم يعجبك الجناح الذى خصصناه لك؟.. لدينا جناح رائع.. هو أغلى جناح فندقى فى العالم.. وثمنه لا يزيد على خمسة وأربعين ألف دولار فى الليلة الواحدة.. إذا أردت يمكنك أن تحجز عدة أيام وثق تماماً بأنك ستستمتع! قلت فى نفسى: أحجز أياماً!.. إن ثمن الليلة الواحدة يقارب ربع المليون جنيه وثمن أربع ليالٍ إذن سيكون قرابة المليون جنيه، ولو امتدت إقامتى أسبوعاً سيكون ثمن النوم وحده مليوناً وثمانمائة ألف جنيه.. وإذا أضيف لذلك بعض الشاى والعصير ورحلة صيد وجانب من السباحة وقليل من الساونا.. وبضع دقائق من مساج أصابع القدمين.. ستكون التكلفة (2) مليون جنيه! هبْ أنك كنت محظوظاً بزوجة رومانسية رقيقة.. أو ابن شكّاء بكّاء.. أو أمّ لا تفضّل الحركة الكثيرة وتأنس للهدوء ولا تقبل على «شحططة» الطائرات والمطارات.. أو حماة مصرية طبيعية لديها جدول أعمال لا ينتهى من إدارة الصراع.. هبْ أن أحدهم أو جميعهم كانوا معك.. هل يمكن أن تكون عدوًّا للرومانسية، أو أباً غير عابئ ببكاء فلذة كبده، أو ابناً عاقًّا لوالدته، أو زوج بنتٍ لا يرغب فى سماع المصدر البيولوجى لسعادته؟ الإجابة: لا يمكن.. إذن عليك أن تمدّ إقامتك من أجل سعادتك.. سيكون شهر مدة مناسبة إذا لم ترتكب أخطاء تكلفك المزيد.. إن تكلفة شهر من النوم فى هذا الجناح ستصل إلى ثمانية ملايين جنيه! لقد فكرت كثيراً.. حتى لو كنت أمتلك المال.. هل يمكن أن أفعل ذلك؟! هل يمكن أن أنفق الراتب الشهرى لألف طبيب لكى أنام ليلة واحدة فى فندق فاخر؟!.. هل يمكن أن أنفق مصاريف دراسة خمسين ألف تلميذ ممن يتسربون من المدارس الابتدائية لكى أنام أسبوعاً فى جناح؟ هل يمكن أن أنفق ما يعادل بناء ثلاثة مستشفيات وثلاث مدارس وفائض (2) مليون جنيه للإنفاق على غير القادرين.. من أجل قضاء شهر عسل فى فندق فخيم؟ الحمد لله أننا فى بسيون نملك الكثير من الرشد والزهد.. بالاختيار والإجبار.. معاً. [email protected]
