قلت إن من أهم أسباب أزمة الأخلاق التى نشكو منها افتقاد الحب فى حياتنا رغم كثرة الكلام عنه على «الفاضى والمليان»! وذكرت فى الأسبوع الماضى أنواعاً من العاطفة ينطبق عليها المثل الشهير: «من الحب ما قتل»!! مثل حب النفس إلى درجة الأنانية، وحب الفلوس والنساء! وفى يقينى أن الحب الحقيقى يبدأ بحب ربنا وقبل أن تقول عن كلامى إنه حديث مصاطب ومواعظ!! أسارع إلى شرح ما أعنيه، وفى البداية أذكر لحضرتك ملاحظتين.. أولاهما ظاهرة موجودة تتمثل فى حب المتشددين لله، وهؤلاء تنطبق عليهم الحكمة المعروفة سالفة الذكر: «من الحب ما قتل»! فأهل التزمت والتشدد قاموا بتحويل تلك العاطفة النبيلة من نعمة إلى نقمة، ومن فضلك لاحظ التشابه الشديد بين الكلمتين فى الكتابة، لكن عند التطبيق تجد الفارق بينهما شاسعاً. والملاحظة الثانية أننى لم أقتنع يوماً بمقولة إن الدين علاقة شخصية بين الإنسان وخالقه، بل أرى أنه لا قيمة لهذا التدين إذا كان كذلك بالفعل، مجرد أشكال من العبادات تقترب فيها من الله! فالتدين الصحيح لابد أن ينعكس فى علاقة حلوة مع الدنيا كلها، وحتى أكون أكثر تحديداً، فإنه يشمل أموراً أربعة على وجه الحصر: الأمر الأول، أن ينعكس حب ربنا على أخلاقك، والشخص الذى يعرف خالقه بصحيح ويحبه إنسان مهذب بطبعه، فيه العديد من الصفات النبيلة ومكارم الأخلاق! ولا أتصور واحداً متديناً وكذاباً مثلاً، أو سليط اللسان ومتكبراً على غيره، فكل هذه الصفات وغيرها لا تتفق مع التدين الصحيح! والغريب أنك تجد قلة الأخلاق منتشرة جداً فى مجتمعنا رغم أن المصريين أكثر الشعوب تديناً، ولكنه حب يشوبه الكثير من الشوائب! وهناك حكمة شهيرة تقول: «فاقد الشىء لا يعطيه»، فإذا كان الشخص لا أخلاق له فلا تتوقع منه أن يكون باراً بأهله أو يحب نصفه الآخر، بل زواجه فى هذه الحالة يكون على كف عفريت! وهكذا يتأكد لك أن حب الله ينعكس أولاً على أخلاقك وثانياً على أهلك وأسرتك، فهو ليس مجرد علاقة شخصية بينك وبين رب السموات والأرض! والأمر الثالث يتمثل فى العلاقات مع الناس والتعامل مع غيرك، وهذا هو الاختبار الحقيقى للتدين! فالمتدين بصحيح يعامل الناس بما يرضى الله، أما غيره فأساس تعامله أهواؤه ومصالحه، وتدينه فى هذه الحالة لا قيمة له على الإطلاق، بل قد يحاسبه الله عليه يوم القيامة! وأخيراً فإن حب الوطن من حب الله، ولا يمكن أن تجد واحداً يحب ربنا ثم تراه يعيش فى خلوة مع الله، وغير متفاعل مع الأحداث التى تجرى فى بلده! فالتدين فى هذه الحالة فيه حاجة غلط! وإسلامنا الجميل لا يعرف الانقطاع عن الدنيا، وصدق من وصف أهل التدين بصحيح بأنهم رهبان الليل وفرسان النهار.