الصراع الدولى فى حوض نهر نهر النيل تفاعلت فيه ثلاثة عوامل استراتيجية: عامل المياه وعامل الاستثمار وعامل الاعتبارات الجيوبلوتيكية –الجيواستراتيجية. هذه العوامل الثلاثة فى صراع مفتوح مع بعضها البعض بمعنى أنه ليس هناك تقاليد صراعية أو تعاونية واضحة تشمل عمليات التفاعل أو امتدادها، الأمر الذى يجعل الصراع فى حوض نهر النيل يمتد وترتبط به دول ليست فى حوض نهر النيل بالتأكد بالمعنى الجغرافى مثل تشاد وليبيا، أو دول مثل اليمن والسعودية ودول الخليج أو دول مثل إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية، أو دول مثل إيران وتركيا أو دول مثل جنوب أفريقيا، كل هذه الدول ليست دولاً كبرى ولكن دول إقليمية صارت لها مصالح مرتبطة بأحد هذه العوامل أو أكثر. فالصراع الاستراتيجى المفتوح المتعدد الأوجه يحدث عندما يتطور كل عامل من العوامل الثلاثة إلى خلق مجال خاص بمقتضياته داخل النظام العام للصراع، فلا تصير تسوية قضايا المياه متضمنة وتقود بالضرورة إلى تسوية أى من مجالى العاملين الآخرين، بل فى كثير من الأحيان تسوية القضايا المرتبطة بعامل واحد تشعل الصراع بشكل أكبر بالنسبة للعاملين الآخرين، الأمر الذى ربما يسهم فى ضرورة عدم الوصول على حل شامل للقضايا المتعلقة بالعامل إلا فى ضوء القدرة على تحريك التسوية الجادة بالنسبة للعاملين الآخرين. ويساعد على عدم استقرار النمط الصراعى أو حتى التعاونى للتفاعل التحولات الهيكلية الكبرى فى النظام الدولى المتمثلة فى التحولات السريعة فى نمط القوة الدولية بين الأوروبيين والأمريكان والروس والصينيين.. بعبارة أخرى، نجد فى حوض نهر النيل على مستوى العوامل الجيوبلوتيكية - الجيواستراتيجية ثلاثة خطوط طولية وثلاثة أخرى عرضية متصارعة: الخطوط الطولية هى: الخط الأول، خط السعودية واليمن وإيران وتركيا والهند، الخط الثانى هو خط مصر السودان وإثيوبيا وأوغندا وإريتريا وكينيا، والخط الثالث هو خط ليبيا وتشاد وجنوب أفريقيا وشرق القارة عموما. والخطوط العرضية: الأول شمالا ويتضمن مصر وإسرائيل والسعودية والإمارات وليبيا وإيران وتركيا، الثانى فى الوسط ويتضمن إثيوبيا واليمن والسودان وتشاد وإريتريا، والثالث جنوبا ويتضمن أوغندا وجنوب أفريقيا وتنزانيا والصومال والبحيرات الكبرى. صراع المكانة الاستراتيجية يأتى وينبع من المفارقة بين مقتضيات المكانة للدولة بسبب وضعيتها على خط من خطوط الطول ووضعيتها على خط من خطوط العرض. فمثلا السودان هو فى نفس الوحدة الاستراتيجية بالنسبة لخط الطول مع مصر، ويشعر بارتباط سياسى واستراتيجى معها، بينما يكون له مقتضيات استراتيجية مختلفة بسبب انتمائه إلى مجموعة مختلفة من الدول بالنسبة لخط العرض. ويمكن فهم التناقض والتوتر فى المواقف السودانية بسبب الاختلاف فى مقتضيات المكانة التى تتطلبها اعتبارات خط الطول عن التى تتطلبها اعتبارات خط العرض. وكذلك الأمر بالنسبة لإثيوبيا وأيضاً بالنسبة لمصر بل دول الحوض. أما بالنسبة للعامل الثانى وهو عامل المياه فيمكن القول إن هناك أربع مجموعات دولية، مجموعتان مرتبطان بحوض نهر النيل، وهما الحوض الشرقى للنهر والحوض الغربى للنهر، وكل حوض فرعى لنهر النيل يتأثر بمتغيرات وظروف جيوفيزيقية وبيئة عامة حتى لو كانت من صنع الإنسان محاذية ومجاورة للحوض الفرعى. فالحوض الشرقى يتأثر بمتغيرات تمتد حتى السعودية والخليج وبحر العرب وشبه الجزيرة الهندية، والحوض الغربى يتأثر بالمتغيرات الحاصلة حتى الأطلسى.