(قال الشبح فجأة): أنا عاوزك تكتب عن معاناة الأشباح المصرية. إحنا طالع عين أبونا فى أم البلد دى، وبصراحة كده دى مش أصول - (قلت محاولا أن أكتم ضحكتى): إيه اللى مزعلك كده؟ دى مصر أم الدنيا برضه، والشبح المصرى عم الأشباح - (قال فى جدية تامة) كلامك كان صح لغاية فترة قريبة، كانت كل الأشباح الأجنبية بتحسد أشباح مصر على الخير اللى هى فيه. (قلت): وإيه اللى تغير؟ (قال فى بؤس شديد): أنتم اللى اتغيرتم - (قلت مستغربا): إزاى؟ - (رد فى أسى): إحنا كائنات بنميل للهدوء والمسالمة وعشان كده بنفضّل نعيش فى الأماكن البعيدة. فيلا قديمة، قصر مهجور. دلوقت مش لاقيين خرم إبره نسكن فيه. حتى المقابر اتملت بنى آدمين، زمان كانت الشقة اللى بيحصل فيها جريمة قتل ما بتتسكنش، دلوقت القتيل يندبح، يغسلوا الأرض بالميه والصابون، والناس تسكن على طول. اضطرونا نسكن الشوارع، مع أنها دوشه ليل ونهار. قلنا نروح دورات المياه برغم ريحتها المقرفة، لقيناها مليانة أطفال الشوارع. طب نروح فين؟ (قلت وأنا أهرش رأسى مفكرا): ياه، أنتم فعلا فى مشكلة. مكنتش أتصور إن مصر حتضيق حتى على الأشباح!- (قال فى حسرة): إحنا كائنات طويلة العمر، بنعيش تقريبا تلتميت سنة. أنا اتولدت بتوقيتكم سنة 1750، يعنى فاضل لى أربعين سنة وأموت. بصراحة مش قادر أستوعب التدهور اللى حل بمصر. لما أفتكر كانت إيه وبقت إيه مصدقش أنها نفس البلد!. مصر اللى كانت جنة ورحمة وسلام!. والدنيا رايقة، ومليانة عذوبة وصفاء. والدنيا براح، الأشباح الصغيرة تلعب استغماية من كفر الشيخ للقناطر، تجرى ورا بعضها، كل فين وفين على ما تشوف بنى آدمين، معقولة دى مصر اللى معدش فيها خرم إبره؟– (قلت مستمتعا): يا بختك يا سيدى، على الأقل شفتلك يومين – (قال دامعا): ما تفكرنيش بمصر القرن التاسع عشر!، أيام محمد على والخديو إسماعيل. البيوت الواسعة والمشربيات المزخرفة والعوامات على النيل، الخير والطرب والسماحة، والمزارع الخضرا والأرض الطيبة، والنيل شايل طميه والخير الكتير، وحتى فى النصف الأول من القرن العشرين، كانت الميادين واسعة والشوارع مغسولة بالميه والصابون. (قلت وأنا أتنهد): يا خسارتك يا مصر. (قال وهو يبكى): وأى خسارة!، الله يكون فى عون الأجيال الجديدة من الأشباح اللى مستنياها أيام سوده. دى كل الأشباح دلوقت مقدمة على فيزة هجرة وواقفين طوابير. عن نفسى أنا نهايتى قربت، بس كنت أتمنى أعيش الأربعين سنة اللى باقيين لى من شيخوختى فى راحة وهدوء، مش أتمرمط على آخر عمرى وأتبهدل وأتهان. أرجوك اكتب لهم يصلحوا البلد شوية، إذا مكنش عشان خاطر البنى آدمين، فعشان خاطر الغلابة، أشباح مصر المساكين.