لا تستطيع أن تتابع ما يجرى فى الكويت حالياً، دون أن تقارن بينه وبين ما يجرى عندنا، وإذا كانت التجربة الديمقراطية لديهم قد قطعت شوطاً لا بأس به، رغم أنها لاتزال وليدة، قياساً على تجربتنا التى كانت قد بدأت بإنشاء مجلس شورى النواب عام 1866، وكان أول برلمان فى العالم العربى، فالعبرة دوماً بنوع التجربة، وليس بعمرها! والحكاية كانت قد بدأت منذ فترة، ولكنها بلغت ذروتها أمس الأول، عندما أجرى أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، الذى يزور ألمانيا فى الوقت الحالى، حواراً مع صحيفة ألمانية، انتقد فيه البرلمان الكويتى بعنف، وقسوة، ثم انتقد الدستور الكويتى أيضاً، وقال ما معناه إن دستور البلاد فى حاجة إلى تحديث ليواكب العصر، وإن الدستور بصورته الحالية يجعل النظام الحاكم هناك نظاماً مختلطاً، فلا هو ملكى برلمانى صرف، ولا هو رئاسى خالص، وكانت النتيجة الطبيعية لوضع دستورى من هذا النوع أن صراعاً حاداً نشأ، ولايزال، بين الحكومة والبرلمان، وكانت كل سلطة منهما، ولاتزال، تحاول التضييق على الأخرى! وقد أدى الصراع بينهما إلى حل البرلمان ثلاث مرات خلال السنوات الأربع الماضية، واستقالة رئيس الوزراء خمس مرات، منذ عام 2006 إلى الآن! وربما تكون المفارقة المدهشة هنا أن حاكم البلاد نفسه، هو الذى لم يعد راضياً عن دستور بلاده، وهو الذى ينتقده على الملأ، وهو الذى يطالب بالتالى بتعديله، ليكون دستوراً عصرياً، يضع الكويت فى الزمن الذى تعيش فيه، وليس فى زمن آخر! وربما أيضاً تكون المشكلة، التى تبدو بلا حل الآن عندهم، أن رئيس الوزراء الشيخ ناصر الصباح واحد من أفراد العائلة المالكة، فهو ابن عم الأمير، وفى كل مرة كان البرلمان يريد أن يستجوبه كان الأمير يرفض، وكان يسارع، ولايزال، إلى حل البرلمان، وإجراء انتخابات جديدة، ثم المجىء بالشيخ ناصر نفسه ليترأس الحكومة من جديد، فإذا بالدورة تبدأ من أولها، حتى تصل إلى النهاية نفسها! وهناك من ينادى بأن تكون العائلة المالكة فى الكويت، مثل العائلة المالكة فى مصر، قبل ثورة يوليو، عندما لم يكن أحد منها يتولى موقعاً تنفيذياً فى الحكومة، تجنباً لمثل هذا الحرج الذى يواجهه أمير الكويت فى كل مرة، ولا يعرف كيف يخرج منه، فيكون السبيل الوحيد هو حل البرلمان، حتى لا يقف أحد من الأسرة موقف المحاسبة أو المساءلة أمام البرلمان! ومن الواضح أن اللجوء إلى إبعاد أفراد الأسرة المالكة عن المواقع التنفيذية ليس وارداً، ولا أحد يعرف ما إذا كان انتقاد الأمير للدستور، علنياً هكذا، سوف يؤدى إلى سرعة تعديله، لتفادى هذه المطبات المتكررة أم لا!.. ولكن ما نعرفه أن انتقاده معناه أنه يريد حكومة تقوم بما يجب أن تقوم به الحكومة على أفضل ما يكون، ويريد برلماناً يؤدى واجبه، فى التشريع للناس، والرقابة على أعمال الحكومة، على الصورة الأفضل! ولكننا فى بلدنا نتكلم عن العكس، ففى كل مرة يتكلم فيها الرئيس، أو أحد من قيادات الحزب الحاكم، عن الدستور، يكون الرضا العام عنه هو السمة الغالبة فى الكلام، رغم ما نعرفه ونراه فى دستورنا من ثغرات، لم يعد لائقاً بنا أن تبقى فيه بعد أن كانت قد دخلت عليه فى مطلع الستينيات من القرن الماضى، خصوصاً مسألة العمال والفلاحين، التى تثير ضحك الدنيا علينا! وإذا كانت الشكوى فى الكويت تريد حلاً لإفراط البرلمان فى رقابته على الحكومة، فنحن نشكو، بسبب نسبة العمال والفلاحين إياها.. من العكس على طول الخط، وهو تفريط البرلمان تماماً فى رقابته على الحكومة! وقد بلغ التفريط لدينا حداً، أصبح معه البرلمان يزهو به فى العلن دون حياء، وليس أقرب إلى ذلك من إسقاط 11 استجواباً للحكومة، وكانت الاستجوابات جميعها تسائل حكومتنا عن حق عن مسؤوليتها المؤكدة عن التلوث الذى نشمه ونشربه ونأكله، فإذا بالبرلمان يبرئ الحكومة ويدين الناس!!