كنت قد رأيت الفنان محمد صبحى فى الدوحة، وأحسست أنه شبه محبط، وأن مشروعه الفنى الكبير على الطريق الصحراوى مهدد فى أساسه، وأن فناناً فى حجمه لم يكن يتصور، حين قرر يوماً أن ينشئ هناك مدينة فنية متكاملة، أن الدولة سوف تتعامل معه كما تتعامل مع تجار الأراضى والعقارات! وحين عرفت أنه كان قد شاهد عرضاً مسرحياً، قبل مجيئه إلى قطر وأن العرض قد أخرجه جزئياً من إحباطه، قررت أن أذهب لأرى العرض نفسه، ثم أرى كيف استطاع عرض من هذا النوع أن يحوز إعجاب «صبحى» مرة واحدة! وحين تلقيت دعوة من الدكتورة نوال الدجوى، لمشاهدة مسرحية «2 بين القصرين»، وهى المسرحية التى كان فناننا الكبير قد شاهدها، أصبحت عندى دعوتان للذهاب: واحدة منه مسبقاً، ثم أخرى من الدكتورة نوال، صاحبة العرض الذى قام ببطولته على مسرح الصاوى فى الزمالك 70 طالباً وطالبة من أبناء جامعتها المتفوقين. ولم تكن هذه هى المرة الأولى التى يقوم فيها الموجودون من أبناء الجامعة ببطولة عمل مسرحى شامل، فقد سبق أن جسدوا واحدة من روائع مسرح برودواى الشهير فى نيويورك، وكانوا قد فازوا بها ضمن مسابقة جرت بين 9 جامعات على مستوى العالم فى إيطاليا، وكان عائدها قد ذهب وقتها إلى مشروع تطوير مائة مدرسة، الذى تتبناه السيدة سوزان مبارك. هذه المرة يذهب عائد عرض «2 بين القصرين» إلى مشروع تطوير العشوائيات الذى تتبناه السيدة الأولى أيضاً. وأهم ما فى هذا العرض الجديد، أن فيه ثلاث رسائل إلى كل مشاهديه، ثم إلى الذين سوف يسمعون به، أو يقرأون عنه فيما بعد: أما الرسالة الأولى فهى أن هذا العمل المسرحى الممتاز يعود إلى رائعة «بين القصرين» لنجيب محفوظ، ثم يعيد إحياءها على المسرح، وليس فى السينما، كما كان الرائع حسن الإمام قد فعل مع الثلاثية إجمالاً من قبل! ولو أنك كنت قد شاهدت العرض، لكنت قد رأيت كيف أن تغيراً كبيراً قد طرأ على المجتمع، ابتداء من «بين القصرين» الأصلية التى دارت أحداثها قبل وأثناء ثورة 19، ثم انتهاء إلى «2 بين القصرين» العصرية التى تدور أحداثها فى عام 2010، لنرى فى النهاية كيف كان حال البطل «أحمد عبدالجواد» هناك، ثم كيف صار حاله هنا، مع سائر أفراد العمل بالطبع! وأما الرسالة الثانية، فهى أن الأغنية التى يرددها الشباب، فى ختام العرض، تقوم على عبارة ساحرة، تتكرر عند نهاية كل مقطع وتقول: «يللا معانا نقابل بكره ب15 مليون فكرة».. فى إشارة واعية إلى أن الأمل دوماً مرتبط بأن يكون الشباب فى القلب من أى عمل، وعندما يكون هناك فسوف تكون عنده بطبيعته 15 مليون فكرة.. وأكثر! وأما الرسالة الثالثة، وربما الأهم، فهى أننا لا يكفى أن نتكلم عن مشروع تطوير 100 مدرسة، وإنما يجب أن نساهم فيه عملياً قدر إمكاننا، وهو ما كانت قد بادرت به الدكتورة نوال، حين قررت أن يكون عائد العرض الأول كله متوجهاً إلى هذا المشروع دون سواه، فهى مشغولة ومنشغلة بالتعليم، كفكرة، وقضية، وتعرف جيداً معنى الإنفاق على التعليم، فى أى موقع، وأن كل جنيه يذهب إليه، سوف يعود مستقبلاً بعشرة جنيهات! وبالقدر نفسه، ما أسهل أن «نتكلم» عن العشوائيات، ولكن ما أجمل أن «نعمل» من أجلها، وربما تكون هذه هى القيمة التى سوف نخرج بها من العرض!