حالة من التوتر والقلق تسود أجواء التصويت فى الانتخابات السودانية فى الجنوب، حيث لاتزال ذكريات الحرب تخيم على الجميع، بينما ترك غالبية الأجانب - من دول الجوار الأفريقية - مدينة جوبا عاصمة جنوب السودان ورحلوا إلى بلدانهم، خوفاً من اندلاع قتال. الجميع يتحدثون عن صراع قريب، خاصة إذا ما خسر سيلفا كير، مرشح الحركة الشعبية لتحرير السودان، منصبه كرئيس لحكومة الجنوب، ففى هذه الحالة - وفقاً للأحاديث المتداولة - ستقاتل «الدينكا» (التى ينتمى معظمها للحركة الشعبية) باقى القبائل لتعود إلى السلطة، ويذهب المواطن الجنوبى بيتر سوكويا إلى أن بعض الشائعات تتحدث عن أنه فى تلك الحالة، سيكون على سيلفا كير ورموز الحركة الشعبية الاختباء قليلاً ثم العودة، وستكون ولاية الاستوائية هى المكان الذى يختبئ فيه، حيث أحد أكبر معاقل قبيلة «الدينكا» التى ينتمى إليها والتى لا يجرؤ أحد فى الوقت الحالى على السفر لها بسبب الخوف من حجم التسلح الموجود فى بعض مناطقها. وعلى الجانب الآخر، يدعى البعض أن هناك اتفاقاً بين قبائل الشلك والنوير والبارية بكل فروعها على قتال «الدينكا»، وسواء كانت كل تلك الأحاديث صحيحة أم لا، فالحقيقة الواحدة المؤكدة أن الأمر يثير الخوف بين الناس ويزيد من هواجس القتال الذى يعتبره البعض «قريباً» وسيندلع بعد الانتخابات مباشرة. ذلك الخوف هو ما دفع بعض من سيدلون بأصواتهم فى مناطق بعيدة عن مدينة جوبا مثل «أليكس ماوا» يفضلون الرحيل قبل عدة أيام من موعد الانتخابات، خوفاً من الطرق التى ستكون غير آمنة، ومن عدم توافر المواصلات، كما دفعت مشاعر الخوف تلك أسعار الانتقالات للارتفاع بقوة فيوماً بعد يوم تتزايد أسعار تذاكر الانتقال من مدينة جوبا إلى أى مكان آخر بنسب كبيرة تصل إلى 40%. وقد أحدث تضارب التصريحات الصادرة عن الحركة الشعبية- ما بين مقاطعة الانتخابات نهائياً فى الشمال أو الاقتصار على مقاطعة الانتخابات فى ولايات دارفور ال3 مع سحب مرشح الرئاسة ياسر عرمان- نوعاً من الارتباك بين الناخبين، فالبعض أعلن اعتزامه التصويت على كل حال، بينما يعتقد آخرون أن الحركة انسحبت من الانتخابات نهائيا، وقال أليكس جيمس (من ياى) إنه حين وصل بلدته اكتشف أن كثيراً من الناس هناك لن يشاركوا فى الانتخابات، اعتقاداً منهم بأن الحركة الشعبية انسحبت من الانتخابات كلها حتى فى ولايات الجنوب ال10. وواجه الجنوبيون مشكلة أخرى وهى أن بطاقات الاقتراع طبعت بالعربية، رغم أن الإنجليزية هى اللغة السائدة فى الجنوب إلى جانب لغات محلية أخرى، ولكنها تحمل كذلك رموز مختلف الأحزاب والمرشحين. وكان سيلفا كير، المرشح لرئاسة حكومة الجنوب، أول من أدلى بصوته، بوسط مدينة جوبا عاصمة الجنوب المتمتع بحكم شبه ذاتى منذ التوقيع على اتفاق السلام مع الشمال فى 2005. واستغرقت عملية إدلاء سيلفا كير بصوته 20 دقيقة، حيث انتظر تحت شجرة حتى يفتح مركز الاقتراع بابه، وهى مدة طويلة حيث يتعين على ناخبى الجنوب أن يملأوا 12 بطاقة اقتراع. وبعد وضع أول بطاقة اقتراع فى الصندوق، رفع سيلفا كير يده ليظهر أيضاً أصبعه الملطخ بالحبر أمام المراقبين الدوليين وبعض عناصر الأمن والصحفيين، إلا أنه أفسد بطاقة اقتراعه الأولى عندما وضعها فى الصندوق غير المخصص لها. وقال سيلفا كير، الذى ينافس على رئاسة حكومة الجنوب لام اكول، زعيم الحركة الشعبية - التغيير الديمقراطى، إثر خروجه من مركز الاقتراع وهو يرتدى قبعته الشهيرة ويحمل عصاه، «أدليت بصوتى دون أى مشكلة. لم يسبق لى أن انتخبت فى حياتى. آمل أن تكون هذه بداية تكوين العملية الديمقراطية فى جنوب السودان». وفى بعض المقار الانتخابية فى جوبا، والتى مرت بها «المصرى اليوم»، كانت الأصوات على الأرض تشير إلى عدم التوجه بقوة لانتخاب الحركة الشعبية لتحرير السودان، وهو ما قد يعنى ترجيح كفة الحركة الشعبية - التغيير الديمقراطى، نظريا على الأقل.